لم يبق مع حمادة الا نسمة صباح السادس من أكتوبر الفاترة ،
تزاحمها الشمس ، لتزيدها كسلا
وضجرا ،
وعوكل الذي مل الأنتظار الطويل بباب الجامع ، فتسكع يلتمس رزقه !
حتى اذا لمح حمادة ، طار يتبعه ،
انتبهت أم حمادة على صوته ، يردد أذكاره الصباحية ،
فيحدث طنينا على السلم النائم ، يتردد صداه مبهما ،
ليبدد صمت صباح يوم أجازة
كسول خامل ،
السلام عليكم ، صباح الخير ياماما ،
صباح النور ياحبيبي ، كنت فين دا كله ،
أبدا الشيخ زغبي مسك فيا ،
بلغته سلامك وبيدعيلك ،
ينفع كده ، تفضل من غير نوم
من امبارح ، بس لو أعرف ايه اللي شاغلك ،
والكتب اللي هتضيع فلوسك
عليها دي ، احنا يابني مش أولى بكل قرش ،
خليها على الله ،
خش يا ضنايا أرتاح لك شوية ، علشان تروح المحل ،
تعمل لك كام حتة شغل ، نسدد
بقية مصاريف أخواتك ،
هو عمك هيحاسبك ، أيام الدراسة ، يومية ولا بالحتة ،
بالحتة طبعا ، أنا أشطر واحد في الشغل دلوقتي ،
وهيديك في الحته كام ؟
انا مش هتحاسب زي الغريب ، دا عمي برضه وأفضاله عليا ،
صحيح مهما كان دا برضه عمك ، أصيل ياحمادة ، رباية المعلم جميل النادي
الله برحمه ،
بس متهيأ لي ، مش أقل من نص جنيه في الحته ، نفس أجرة توفيق ،
وماله يابني ، نعمة ، كنا فين وبقينا فين ، رضا ، الحمد لله ،
قلبي وربي راضيين عنك يا
حمادة يابني ،
قوم ارتاح شوية ، وحسن هيجيب الفطار والطلبات لينا ولنينة ،
ياريت متنسوش فطار عوكل !
السلام عليكم ، ازيك ياعمي ،
ازيك ياحمادة ، ازاي ماما
واخواتك ..
اتأخرت ليه ؟! مش النهاردة أجازة ؟!
يادوب صليت الظهر وجيت ،
احنا عايزين نشوف شغلنا ، بلاش دروشة ،
كلنا بنصلي ، بس بنشوف شغلنا
،
ان شاء الله ،
شغلك فوق عند توفيق ، تخلصه وتحاسب على مصنعيتك ، وتتكل على الله ،
الشغل كله لازم يخلص النهاردة ،
حاضر ،
حلوة بلادي السمرة بلادي ، الحرة بلادي ..
ماتعلي الراديو يا حمادة ، خلينا نسمع هيقولوا ايه ،
هيقولوا ايه ياتوفيق ؟!
هيغنوا لنصر ملحقناش ندوق
طعمه ، ولفخ سموه افتراءا ، سلام ،
ما أخطر وأخبث ُطُعمه ،
ما أخطر وأخبث ُطُعمه ،
وبطولة حشدونا ليها ومنعونا
نكملها ، علشان نروح في سكة ياعالم بطول ليلها !
ماتكبرهاش ياحمادة ، خليها على الله ، مالك شايل طاجن ستك اليومين دول
،
على فين ؟ .. عمه متسائلا ،
هصلي العصر ،
ما تغبش ، فوت على البيت اتغدى ، طنط عايزة تشوفك ،
السلام عليكم ،
هيييه ، ايهاب ونورا ، مرحبان ،
مين يا ولاد ، حمادة ابن عمي
ياماما ،
تعال يا حبيبي ، أنت فين ، ماما عاملة ايه واخواتك ،
الحمد لله ،
ايه ، ما وحشكش أكل طنط ، دا أنا عاملالك البامية الي بتحبها ،
باللحمة الضاني ،
تعيشي يا طنط ، خيركم مغرقني ،
هنتغدى مع حمادة ياماما ، يتقافزان ،
عمكم منعم اتصل وقال هفوت أتغدى ،
ايه ياحمادة مش بتيجي لي تلاعبنا ، وتقولنا فوازير ونكت ،
الدراسة بدأت ، والسنة دي ، ثانوية عامة ،
هيه ، بتحافظوا على الصلاة ؟!
أنا بصلي ، نورا اللي بتكسل ، ياسلام ياغلس ، أنا بصلي أحسن منك ،
ياولاد ، مع ان الصلاة من أهم الحاجات في الإسلام ،
الا ان الإسلام فيه حاجات مهمة كتير ،
الا ان الإسلام فيه حاجات مهمة كتير ،
زي ايه ؟!
حب العلم و التفوق ، والقوة ، والدفاع عن الوطن ،
يعني يبقى دمنا تقيل ، ومفيش لعب وهزار تاني ،
أنا قولت كده ،
ماهو انت شكلك مش هتلاعبنا تاني ،
طب ازاي ،
تعلوا أقلدلكم شفشق ، شفيق جلال ،
هذا ومن المقرر أن يحضر السيد الرئيس احتفالات عيد الفن الثالث ، و
المقامة غدا ..
بس وطوا الراديو ده ، أو اقفلوه
يحضر ايهاب ملابس الفقرة الفنية ، كما عوده حمادة ،
احدى جلاليب والده المخططة ،
ومعها طاقية بحافة ، من نفس قماش الجلابية ،
خسسسيس قال للأصيل تعال عندنا خداااام ، تاكل وتيشرب ...
افتحوا لعمكم منعم ياولاد .. يوه ، مالناش دعوة هتكمل برضه ،
يقبل ضخما مهولا ، شاغلا نصف الحجرة
ازيك ياعمي ، كل سنة وانت طيب ، يابطل
على أيه ؟!
ذكرى الأنتصار
ياسيدي ، دول كانوا يومين ، عملنا اللي علينا ، والباقي على .. السلام
عاش عاش ، عاش ، عاش اللي قال ..
اقفل الراديو يا ايهاب ، انا مصدع
دي أغاني الحرب ياعمو منعم ،
حمادة يغنيهالك ، حافظها كلها ،
الغداء يامنعم ، ياللا ياحمادة ،
خلصت شغلك ،
الحمد لله ،
كام حتة ؟
تلاتاشر ،
وريني كده، عال عال ، الله ينور ، تمرت فيك الرباية ، ربنا يهديك ،
حسابك ستة جنيه ونص ، ونص جنيه من عندي ، سبعة جنيه أهم ،
يالا اتوكل على الله ، سلم
على ماما ، وخد بالك من مذاكرتك ،
ربنا يخليك يا عمي ،
الا قولي ، هامسا ، بتوتر ، بتشوف بابا ؟!
يطرق صامتا ، يغادر ممسكا بنقوده ، قابضا على دموعه ، الحمد لله
لاحول ولاقوة الا بالله ، عمه متأثرا
يمضي حمادة مسرعا ليلحق بصلاة العشاء بجامع الرشاد ،
ليصلي بصحبة الأستاذ عبد
الحفيظ المنياوي ، معشما نفسه أن يكون من الأخوان فيوصله اليهم ،
بعد أن قرر مقابلته منفردا دون عادل الزيني ، تحسبا لأية مفاجآت ،
وليتكلم معه على راحته ،
يسلك نفس الدرب الذي كم سلكه منذ كان طفلا صغيرا نحيلا ،
تستقوي عليه الشمس ، ويقرصه
الجوع والعطش ،
ويعكر صفوه القلق على أمه ،
والخوف من عمه ،
ويضنيه الشوق لأبيه ..
كل العذاب هان عليه ، كل
التعب زال منه ، الا الشوق لأبيه !
يزيد من سرعته هربا من هياج
الذكرى ، التى تأبى أن تتعلق بتلابيبه ،
كتعلق طفل بأمه ،
كتعلق طفل بأمه ،
يود لو ينسف كل مقاهي الأرض ،
بعد أن يحطم مابها من شيشة وطاولة ودمينو ،
علّ لاجئيها
يعودون الى فلذات أكبادهم ،
يوما وراء يوم ، يتفهم محنة
أبيه ، لا لا ، ليست المقهى ،
ما المقهى الا مهرب وملاذ ، مهرب من المسئولية ، وملاذ بالصحبة المسلية !
ما المقهى الا مهرب وملاذ ، مهرب من المسئولية ، وملاذ بالصحبة المسلية !
يسقط محنته على حال أمته ، الذي يشغله ويستغرق تفكيره ، و يصبغ حديثه
مع كل من يلقاه ،
فيرى محنة أمته في غياب ولي الأمر المسئول الرشيد ، الذي يكد من أجل
أمنها ووحدتها ، ورخائها ورفعتها !
آه لو يجمع الناس ، في صعيد واحد ، ليبوح لهم بما في قلبه الذى صار
جمرة من نار ،
آه لويبكون غياب ولي أمر
أمتهم الراشد كما أبكى غياب أبي ،
لو يكافحون لمساعدة أمتهم في
غيابه كما اساعد أنا أمي ،
لو يسلكون كل طريق لأعادته
لقيادة سفينهم ،
كما مزقت أحذيتي في الدروب
سعيا لأعادة أبي ..
الله أكبر ..
الله ، منذ زمن لم أصلي في جامع الرشاد ، ما كل هذا العدد من الشباب
الجميل ،
معظمهم ملتحون ، يتناثرون في المسجد خافت الأضاءة كنجوم تتألق ،
اقيمت الصلاة ، فاصطفوا في خشوع ، كأسنان المشط ،
قضيت الصلاة ، فتحلقوا حول الأستاذ عبد الحفيظ المنياوي ،
الذي بدا في جلبابه الرخيص ،
ضئيلا
نحيلا ، جاحظ العينين ، ذو لحية رمادية شعثة !
أخذ يصافح الشباب المتحلق حوله ، الواحد تلو الآخر ، بقوة ، محتضنا
اياه بافراط !
ليصعد الجميع الى حيث غرفته المشرعة الأبواب ، ببيت هزيل قبالة المسجد
،
يلحق بهم حمادة ، دون أن يلفت نظر أحد ،
يتكومون في غرفة كئيبة كالحة
، على جدرانها كتب كأكوام ضباب ،
تعلوها الأتربة ، لاتميز منها
اسما ولا رسما ،
يحتل ربع مساحتها سريرحديدي
أعجف ، يبدو كهارب من أحد معسكرات الجيش ،
اتخذه حمادة متكئا ليطل منه
على تلك الكومة من الشباب .. الورود ،
ينصتون الى الأستاذ ، الذي لم
يعر حمادة أي اهتمام ،
بينما يتناثر من فمه حديثا باردا مفككا ،
بينما يتناثر من فمه حديثا باردا مفككا ،
كعربة خشبية فارغة متهالكة
تتدحرج على طريق وعرة ، فتعلو وتهبط ، دون
فائدة !
حاول حمادة أن يتهم نفسه ، فمن
المؤكد لم يرق بعد الى مستوى هذا الأستاذ الكبير ،
قطع اللهاث أنفاسه ، وراء ما
يتناثر من شدقي الرجل ، عله يقبض على جملة مفيدة ،
لكن هيهات ، وكأنه ينصت لكلمات مبعثرة من نائم يهذي بلغو ، لاينبني
عليه عمل ،
أصل العقاد .. لأن طه حسين ، لا .. سيد قطب دا موضوع تاني ..
انت النهاردة لما تبص لعبد الرحمن بدوي هتلاقي .. تر تر تر ..
بدا حمادة وكأن قطبي رحى ، أحدهما من ذهول والآخر خيبة أمل ،
يطحنان رأسه المرهق أصلا ..
يطحنان رأسه المرهق أصلا ..
يالا مع السلامة ، في حفظ الله ..
افاق ليجد النجوم الشابة قد أفلت ،
ليتحسر على ضياعهم في أحضان هذا المعانق الأكذوبة ،
ليتحسر على ضياعهم في أحضان هذا المعانق الأكذوبة ،
آه لو يتعرف عليهم حمادة
جميعا ، والله لخاض بهم البحر ، لا مناص الآن من المواجهة مع الأستاذ المعانق،
أهلا وسهلا ، أخيرا انتبه لوجود كائن حي ، يجلس بطرف سريره الأعجف
مثله ،
أهلا بحضرتك يا أستاذنا ،
أنا حمادة ، محمد حسين النادي ، جدي يبقى الحاج جميل النادي ،
الهيبة الكبارة ،ألف رحمة تنزل عليه ، يتمتم مطرقا ، يهرش لحيته الشعثة
،
خير ؟!
أبدا ، هو حضرتك تعرف الأخوان المسلمين ؟!
مين ؟! الأخوان ! أنت في سنة كام يابني ؟!
فى ثانوية عامة ،
طيب يابني ، مالك أنت ومال الأخوان ؟!
انت عايز تخدم الأسلام ،
اتفضل الطريق واضحة ، العلم ياابني ،
أجتهد في دراستك ، وتفوق ،
ومن موقعك المرموق اللي هتوصل له ، باذن الله ، تخدم الأسلام زي ما أنت عايز !
شكرا يا أستاذنا ، السلام عليكم .. يفجئه بها حمادة وهو يتدحرج على
السلم المتهالك،
مخافة أن يتورط في عناقه المبالغ
فيه ،
يطلق زفرة طويلة ، الحمد لله ، يا الهي ..
كم في واقعنا من أوهام !
يالهفي على شباب ، كالرياحين
، يقعون ضحية أمثال هذا الأعجف الغامض ، غير المريح ، المعانق !
انت فين ياحمادة من الصبح ، أمه مدلية رأسها من البلكونة ، أنا ملطوعة
من المغربية ، دماغي تجيب وتودي ،
معلش ياماما ، كنت في مشوار ، اصبري عليا مرة لما اطلع فوق ،
مش تقول يا ضنايا ، فكرتك رحت لأبوك ،
يوم الجمعة ان شاء الله ، أجيبه يتغدى معانا ،
ربنا يجبر بخاطرك ،
اتفضلي ياماما ،
ايه دول ؟!
سبعة جنيه ، انتاج النهاردة ،
ماشاء الله ، ربنا يبارك لي فيك ، ويهديك ،
لو خليتي جنيه بس معايا ، أجيب كتاب ، يبقى كتر خيرك ،
والمرة الجاية هزود الأنتاج شوية ، علشان أجيبلك دكر بط ،
تلحقي تظغتيه علشان تعمليه لبابا في العيد الكبير ، أنت عارفة بيحب
الرقاق و البط ،
ربنا يهدي الحال يابني ، الأيام بتجري ، والعيد فاضله شهر ويهل ،
شوف ياحمادة ، أنت ابني وأنا عجناك وخبزاك ، وغلاوة أمك عندك ،
الكتب اللي عايز تشتريها
وتسهر فيها ليلاتي دي ،
والمواضيع اللي شغلاك ومغيراك
اليومين دول ،
خير لينا وليك ، ولا ايه
الحكاية ، ريح قلب أمك الله يريح قلبك ،
الشيخ زغبي بيقول لأخوك حسن
في درس التحفيظ ، أنا خايف على حمادة !
من ايه ياضنايا ، اعمل معروف
، كفاية عليا الضغط والسكر ،
حتى الجيران حبايبنا بيقولوا حمادة اتغير وما عدتش بيلاغي زي الأول ،
وسلوى طلعت تعيط وتقول حمادة شكله هيبقى متطرف ومش هيكلمني تاني !
بالعكس ياماما ، أنا بعامل جيراننا كويس وكمان سلوى ، بس احنا كبرنا
وبقى فيه حدود برضه ،
أما الكتب فهي علشان أتثقف واتعلم ، ويبقي لي قيمة ، دا أنا كل ما
أسمع في الراديو ، برنامج زيارة لمكتبة فلان ،
أتجنن وأحلم يكون عندي مكتبة كبيرة ، وأكون زي الشخصيات دي ، ليا قيمة
، مش دا يشرفك برضه ،
كل حاجة منك بتشرفني ياحمادة ، سامحني ياروحي على قسوتي عليك ،
كنت خايفة عليك ،
كنت خايفة عليك ،
حد يقول كده برضه يابطة ياغالية ، دا أنا أفديكي بروحي يا ماما ،
وبعدين أنا مش شاغلني الا كل خير ، مش انتي بتحبي النبي و الأسلام ،
وبتسمعي القرآن ؟! الحمد لله ، اللهم صلي عليك يانبي ، وهو أنا مصبرني ومبرد ناري
الا القرآن ، ياحمادة ، صبح وليل بسمعه وعايشة معاه ،
أهو ياست الكل نفسي أشارك مع الصالحين من المسلمين ، علشان نرجع
للأسلام والقرآن وسنة النبي العدنان ، المكانة والصدارة والمجد ، فيه شرف أعظم من
كده ،
بس ياابني يا حبيبي ، الظلمة يبهدلوك ، زي ما شوفنا قبل كده ،
ياستي " قل لَنْ
يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " التوبة– 51
هقولك ايه ، انت حد يسلك معاك ، ولا حد يقدر يحوشك عن حاجة في دماغك ،
روح ربنا يحفظك برضاي عنك ،
فين حسن ؟ بيجيب عيش لسندوتشات المدرسة ، بيدوخني على ما يقضي مشوار ،
ماكانش طلع زيك ،
سلام عليكم ، أهلا أبوعلي ، يابختك ياعم ، جمعة وسبت أجازة ، زمانك
شبعت لعب ،
شكلنا مش هيبقالنا من سته أكتوبر ، الا الأجازات ،
هو أنا بتهنا على لعب ياحمادة ، من مشاوير ماما ونينة ،
معلش يابطل ، قولي ايه أخبارنا مع الصلاة والحفظ ،
لا ماتخافش ، الشيخ زغبي قاعد لي هو كمان ، كل شوية قوم صلي ، أحفظ ،
سمع ..
وتقولي أجازة ، ياعم .. مشوحا
بيده ،
طب يالا ، لمعت جزمتك ، وكويت هدومك ، وحضرتك حاجتك ..
الحمد لله ،
وريني واجباتك أراجعهالك ،
ياماما ،
أيوا يا حمادة ،
مش تنادي على البنات ، يطلعوا
من عند سلوى ، مش وراهم مدرسة الصبح ،
حاضر،
على فكرة ياماما ، مش يصح برضه ، سهام ونادية ، يغطوا شعرهم ،
ويلبسوا جيبات طويلة ، بدري
ياحمادة ، لسه بيدلعوا ،
ولو ، أهو نعودهم سنة سنة يعني ، ولا رأيك ايه ؟
ان شاء الله ياحبيبي .
يهمس الشيخ زغبي في أذن حمادة ، بصوته الحنون كعادته ، الصلاة خير من
النوم ..
لينهض ملبيا ، الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، واليه النشور ..
ماء الوضوء الذي تتسلل اليه برودة أكتوبر ، ينعش روحه ،
يهبط بهدوء ، لينهض في اثره
عوكل ،
قضيت الصلاة ، يشير للشيخ
زغبي مودعا للأستعداد للمدرسة ، في حفظ الله يا حبيبي ، رادا تحيته
في طريق العودة الي البيت ، يلقاه عادل فيبادره ..
ما فوتش عليا يعني نروح المشوار اللي اتفقنا عليه امبارح ،
الوقت فات ولقيت نفسي جنب بيته ، قلت أنجز ،
وبعدين .. ولا حاجة ، أوهام ،
يعني ايه ، دا راجل داعية ،
بعدين أفهمك ، نتقابل في المدرسة ..
على صوت تقدمة قرآن السادسة ، يعود الي البيت ، يتبعه عوكل ،
كسرولة الفول من عمي دسوقي ، وعاية اللبن من أم زاهر ،
تستقبله رائحة الفلافل الساخنة ، أعظم هدية صباحية من أمه ،
عبير الشبت والبقدونس على
السلاطة ،
حبات الفول رقصت ، كأنها لوز ، فرحا بالسمن البلدي ،
تصاعد بخار الشاي بالحليب
المنتظر في البلكونة ،
أيات بينات من سورة يونس ،
يتلوها علينا القارئ الشيخ عبد العظيم زاهر ..
يرفع حسن المصلية بعد أن صلى بأخواته البنات ،
يبدو جميلا نظيفا ، ممشط
الشعر ، بريئ الوجه ، متأنق ..
باب الحجرة مغلق على البنات ، ليخرجن منه ..
بلوزة بيضاء زاهية ، جيبة
كحلية رتبت كسراتها وكويت بعناية ،
جورب أبيض كولون ، حذاء بناتي
أسود لامع محندق ،
ضفائر سوداء فاحمة، محكمة
لامعة ،
الكل في البلكونة .. يتحلق
حول حمادة بزيه المدرسي العسكري كقائد ،
لتتشاغل الأم في مناولة طبق
لكل واحد .. سندوتش فلافل ، ريحته تهبل ،
خففت سخونته السلاطة والطحينة
،
وآخر الفول اللوز بالسمن
البلدي ، مع كوب شاي بالحليب ،
ولفافة في حقيبته
ليأكلها بالفسحة !
يتوكلون على الله ، يتقدمهم حمادة ،
مودعين أمهم .. المغرورقة
عيناها دوما بالدموع ..
بالله عليك ياحسين ، فيه حد في الدنيا يفوته المنظر ده ؟!
جاتك نيلة وانت راجل جبلة
وغبي ،
كرهتك ، كرهتك ..
لتبقى بالبيت هي .. ودموعها !
جميــــــــــــــــل ورائع جدا
ReplyDeleteدمت متألقا
وصف دقيق للأحداث حتى أننا نكاد نكون فى حالة سمع وشم ولمس حقيقيين ....
ReplyDeleteفرسم الكاتب للأحداث كما الرسام يرسم اللوحه الفنيه بحرفيه فائقه تكاد تجعلنا داخل المشهد ...دائما
معبراً عن المشاعر بالسهل الممتنع من الكلمات : كما نرى
تستقوي عليه الشمس ، ويقرصه الجوع والعطش ،
ويعكر صفوه القلق على أمه ، والخوف من عمه ،
ويضنيه الشوق لأبيه ..
كل العذاب هان عليه ، كل التعب زال منه ، الا الشوق لأبيه !
يزيد من سرعته هربا من هياج الذكرى ، التى تأبى أن تتعلق بتلابيبه ، كتعلق طفل بأمه ، .............................................................بلوزة بيضاء زاهية ، جيبة كحلية رتبت كسراتها وكويت بعناية ،
جورب أبيض كولون ، حذاء بناتي أسود لامع محندق ،
ضفائر سوداء فاحمة، محكمة لامعة ،
يود لو ينسف كل مقاهي الأرض ، بعد أن يحطم مابها من شيشة وطاولة ودمينو
علّ لاجئيها يعودون الى فلذات أكبادهم ،.................................................................................حبات الفول رقصت ، كأنها لوز ، فرحا بالسمن البلدي ، تصاعد بخار الشاي بالحليب المنتظر في البلكون.................................................................وصف دقيق للأحداث ........سلمت يداك ... فى إنتظار المزيد ا
......ابداع