Search This Blog

Wednesday, January 4, 2012

العَصّارة - الحلقة العاشرة

أسكت يا عادل ، أنا مصدوم ، ومتألم جدا ..
 دلوقتي بس عرفت ليه كثير من المتدينيين بيقدموا الإسلام في صورة منقوصة ،
بل ظالمة ،
 من فرط ماهم فيه من حرمان من النور والذوق والجمال ،
 ماذا تنتظر ممن غمس نفسه في الرطوبة والقبح والظلام ،
 وفرغ حياته من أي ملامح جمال أساسية للروح والجسد وللعلاقات الإجتماعية ،
 أدنى حد من الملامح الفطرية ، التي ليس لها علاقة بالفقر أو الغني ..
 كالذوق في استقبال الضيف وإكرامه ، 
بتهيئة المكان اللائق من حيث الإضاءة والتهوية ،
 والنظافة والرائحة ، واللمسات الجمالية ولو لوحة على الحائط  ،
 فبالرغم كل ما عانيناه من شدة ، لم تحرص أمي على شيئ أكثر من حرصها على نظافة وجمال بيتنا وزهاوته !
أيضا المظهر يا أخي ، الشكل والأسلوب ..
 بالله عليك دي مناظر ناس تقدم نفسها للمجتمع على أنها تحمل رسالة الإسلام ، 
دين الحق والخير والجمال ؟!
والله لوبعث النبي ، عليه الصلاة والسلام ، من قبره ، واطلع على ملابسهم الرثة ،
 ولحاهم المفعكشة وعمائمهم المقيحة المنيلة بنيلة ، وأسنانهم الصدئة ونعالهم المتربة القذرة ،
 ورائحة العرق والحلبة والزيوت الزنخة المعبأة في زجاجات صغيرة يخبئونها في سيالة الجلابية ،
ليبيدوا بها الخلائق بزعم أنها مسك !
 طب والله النبي يغمى عليه ، ويقول ياخسارة تعبي وشقايه ..
 ما شفتش العصاية المعفنة اللي حاططها اللي اسمه "فجلة" ده في جيبه ،
 بتنز سائل اصفر نتن ويقولك سواك ، وسنة عن النبي ،
 زي ما التاني اللي بيدلدق الحلبة في الطبق ، وعلى دقنه وهدومه ، و برضه يقولك سنة عن النبي  ،
 آه يانبي يا مظلوم معانا !
 وبعدين ايه الشوم اللي راكنين دقونهم عليه ده ؟!
 أكبر خطر على الإسلام ، ان الأشكال دي توجه الناس ،
هيقدموا صورة عن الدين  مليانة سواد وغم وغباوة  ،
 من الإنغلاق والتخلف والضنك اللي هما منقوعين فيه !
والله العظيم ياعادل ، لو بإيدي ، لأجمع كل الأشكال دي في معسكرات ،
 واعيد تأهيلهم صحيا ونفسيا وثقافيا وذوقيا من الصفر ، 
 على الأقل أعلمهم النضافة يا أخي ،
 وما اسمحش لأي مخلوق يتصدى لدعوة الناس للعودة الى منهج الإسلام ،
 الا لما يكون آية في التأنق والنظافة ، والتحضر والثقافة ،
في الإنفتاح والحكمة والذوق والكياسة !
 ولعلمك ، اللي سايبين الأشكال المشوهة دي تعك و تلغوص في الجوامع ،
نيتهم مش سليمة تجاه الدين ،
 عايزين يبوظوه في عقول ونفوس الناس .. علشان يضيق به المجتمع وينفر من جهل وعشوائية أدعياؤه ،
 أنا هطق ، هتخنق ، أنا مش هسكت ولا هيهدى لي بال ولا يقر لي قرار ، 
الا ما أوصل للى أنا عايزه ،

وهو ايه اللي انت عايزه ياحمادة ؟! ..  انا ساكت لك من ساعتها ،
 وانت عمال تشتم في الناس الطيبين دول ، وتغتابهم ، وتتحامل عليهم ،
 ذنبهم انهم بيجتهدوا ، وعايزين يبلغوا دعوة ربنا ، ناس بسطاء وفقراء ،
 لكن بيأدوا واجبهم في خدمة الدين على أد جهدهم ،
 ولاحضرتك عايز كل من يدعو الى الله ، يكون في شياكة وجمال ولمعان حسين فهمي ،
 ويسمع بتهوفن ، ويدخن البيبة زي الريس ، وبالمرة يركب عربية مكشوفة !

طبعا أنا ما قلتش كده ..
 أولا على حد علمي الراجل الأستاذ سعيد ده مش فقير ، دا عنده عمارة مسكنها ،
 ودافن نفسه وولاده في القبر ده ، ومع ذلك مالناش دعوة ،
 ممكن تكون فقير دقة ، بس مظهرك نظيف ورحتك حلوة وعندك ثقافة وذوق ،
 وبعدين لحد امتى هتفضل صورة المتدين مدهولة ومتعوسة ،
من صغري بروح مع جدي الجامع الكبير ، وأشوف أساتذة الأزهر
من العلماء نور على نور ،
 في الوقار والثقافة والجمال والنظافة ،
 طب والله ياشيخ لسه ريحة كف فضيلة الإمام عبد الحليم محمود ،
 لما جه آخر مرة وسلمت عليه مع جدي ، لسه ريحة كف ايده وملابسه الزكية
  في روحي وقلبي ،
 ولا الشيخ محمد الغزالي ، آية في النظافة والأبهة والعظمة ،
 أما الشيخ الدكتور البهي وبذلته الأنيقة ووجه الوضاء .. ماشاء الله ، تبارك الله ،
 تعرف مثلا ان الشيخ المطراوي بيتكلم انجليزي والماني بطلاقة ، وهتروح بعيد ليه ،
 عمك الشيخ زغبي ، على طول تلاقيه جميل ونظيف ومتأنق وجزمته بتبرق ،
 علشان كده مخلي المسجد آية في النظافة والجمال .. ده اللي أنا عايز أقوله ،
ما تدخلنيش في سخرية وغيبة ونميمة ..
الفقير البسيط الغلبان المدهول على عينه ، لايتصدي للدين ،
يتفضل يستحمى ويلبس حاجة نضيفة ،
 ويروح يقعد زي الألف في الجامع علشان يتعلم من العلماء الحقيقيين ، 
مش لاقيهم يدور عليهم ،
 ويسمع الراديو ويقرأ الصحف ، ويتواصل مع العالم من حوله ،
علشان يتحضر ويتثقف ويتنجر ،
 الله يخرب بيت كل من يضعف دور الأزهر و يخيب أمل علماؤه ، ويضعف مستواهم ،
 علشان دا بيضر الدين ضرر بالغ ..

لا ياحمادة ما تأخذنيش ، أنت للأسف مغرور ، ومش عاجبك حد ،
 الظاهر الظروف اللي مريت بها خلتك قاسي جدا ، وعايز تهزأ في مخاليق ربنا ،
 هما فين العلماء اللي بتتكلم عنهم دول ، هنقعد نستناهم لأمتى ان شاء الله ، 
لما الدين يضيع ، طبعا لأ ،
 كل واحد يقدر يعمل حاجة وماله ، أهو بيقول للناس خير ، المثالية والأنزحة بتاعتك دي احتفظ بيها لنفسك ،
ولعلمك هتفضل تهاتي وتاكل في نفسك وما حدش هيعبرك ولن تصل لشيء ،
 الناس غلابة يا حمادة ، سيبنالك انت الشياكة والثقافة والفتاكة ياناصح ،

بص يا عادل ، مالكش دعوة بظروفي ، لأنك عارف انا ابن مين وعيلتي مين ،
على الأقل أنا مأصل كابر عن كابر ، ومن عيلة النادي ،
 الدور عليك ، انت وعيلتك نزحتو من ضنك الأرياف وعيشتو هنا بالكاد على أطراف المدينة ،
 ثم ان مالها ظروفي ، والدي غاب ، بس أمي بمية راجل ،
وطلعتني من تحت ايديها راجل ،
 وعلمت نفسي وثقفت نفسي ، أحسن منك ومن ألف زيك ،
 وبفخر بابويا المعلم حسين جميل النادي ، ربنا يتم شفاه ،
 وبعتبره أطيب وأجمل أب في الدنيا غصب عن التخين ،
 اللي عنده جد زي المعلم جميل النادي ، يوريني نفسه ياعادل يا زيني ..

ايه ياحمادة بالراحة انت زعلت ، مش قصدي حاجة ..

آه بحسب يعني ، أصل تكون فاكرني أتدروشت زيك ، لا ،
أنا آه حابب ديني من تربيتي عليه ،
 ونفسي الإسلام يسود العالم ، وأتشرف بخدمتة ، لكن أنا مش درويش ولا شيخ ، ولاعمري هستشيخ ،
 أنا أسلك مع العفاريت الزرق ، والويل اللي شفته علشان أسد في غياب أبويا ،
مش هيضيع هدر ،
 بالعكس دا سلاحي اللي هحارب بيه اي عقبة في طريقي .. يجهش حمادة بالبكاء ..

خلاص حقك عليك ، أنا مقصدش ، بس أنا مشفق عليك
من ان سخريتك اللاذعة الحارقة دي ،
 وعدم رضاك على اى حاجة ، وانفجارك في وجه مالا يعجبك ،
هينفر الناس منك ، وهيجيبلك المشاكل ..
انت ناسي ، لما آخر مرة بهدلت الأستاذ عبد الهادي في أنصار السنة ، علشان بيتكلم عن الفرق الضالة ،
 وخليت الراجل مكتئب لحد النهاردة ، والله بتكسف أقابله ..

وحضرتك كنت منتظر إيه ان شاء الله ، لما واحد كبير وعاقل وله لحية أد كده ،
 والمفروض ان عنده شوية علم ، وربنا يديله شباب كأشبال الأسود ،
 يلتفوا حواليه علشان يتعلموا حاجة يفيدوا بها وطنهم ودينهم ،
 يقوم يضيع وقتهم وجهدهم ، في الكلام عن فرق بادت ، وراحت في داهية ، 
وأفكار اختفت وانقرضت ،
 ايشي معتزلة ، وايشي جهمية ، وايشي مرجئة ، بالله عليك اذا ماكانش دا لغو ، 
امال اللغو يكون ايه ،
 اليس اللغو هو الكلام الذي لاينبني عليه عمل ؟!
 مال الشباب دول بالمعتزلة والمرجئة ، والرافضة والقابضة ،
 ليه مصرين ننفخ الروح في جثث ماتت ، وعودتها لن تفيد ، بل ستضر ،
 أهو الشباب دول ما كانوش عارفين حاجة عن الفرق دى ،
 خلاهم حضرته هيطلعوا من عنده يغرقوا في الكتب القديمة ،
 ويسيبوا دراسة مقاصد الشريعة، أو النظر والتدبر في كتاب الله ،
 ويقعدوا يتجادلوا في اللغو ده ..
 لوكان درس لهم كتاب العقيدة ، للشيخ شلتوت ،
أو عقيدة المسلم ، أو خلق المسلم ، للشيخ الغزالي ،
 أو حتى رجال حول الرسول ، لخالد محمد خالد ،
 كان قدم لهم أعظم خدمة ..
أنا خايف ياحمادة تنتظر من الدعاة ، يدرسوا للشباب روايات احسان عبد القدوس ، و كلام نزار قباني ..
بس الله يخليك متقولش دعاة ، بل أدعياء ..  والله معظمهم ما حصل حتى رعاة ،
طيب ، اسيبك يا حمادة ، ضاعت ليلة مذاكرة في المناكفة معاك ،
عليا النعمة انت هتشردنا ، ربنا يهديك ، سلام عليكم .

والنبي يرضي ربنا اللي بتعمله في أمك ده ، الدين بيقول تغطس وتسيب أمك لايصة ، وتسيب مذاكرتك كده ؟!
خلاص ياماما ، هعوض الوقت واذاكر دلوقتي ، وبكره الجمعة ما تحمليش هم ،
انا مش هاكلم ، ماعدتش فيا قلب اتكلم ، اعمل ما بدا لك يا حمادة
وبعدين الناس اللي هيتغدوا بكره دول ، هنغديهم طوب ،
ان شاء الله من بدري رايح السوق وهعمل لك كل اللي انتي عايزاه ،
 خلاص وحدي الله انتي ونامي ، تصبحي على خير ،
أخواتك فضلوا مستنيين حضرتك لما ناموا على نفسهم، يالا ربنا يسامحك ، 
وانت من أهل الخير ،

تعالي أيها الكيمياء اللعينة ، لو بايدي لمحيتك من الوجود ،
 أنا عارف ايه اللي خلاني اتنيل ادخل علمي ، وانا كل ميولي ادبية ،
 كيمياء وفيزياء وزفت ، لولاش فصول الأدبي سمعتها طين ، والله كنت دخلت أدبي ،
 أهو كنت أنام على ضهري واقرا شعر وتاريخ .. يالا قدر الله وما شاء فعل ..
 استعنا بالله على بلاء الكيمياء ..

ايه ياسيدي ، انا قلت حمادة هيخلع ، وأتسوح أنا وآخد زمبة في الغدا ،
وانا أقدر يامولانا ، دا احنا بنستنى اليوم اللي تشرف وتبارك بيتنا فيه ،
هيه ، طمني عليك ،عامل ايه ، واخبار الست الوالدة واخواتك ،
الحمد لله
بتروح المحل برضك ،
يعني ، خفيف كده ، الحمد لله
بس شكلك مش حمادة ريحانة الحي والمسجد ، اللي أنا أعرفه ،
أبدا ، كنت في مشوار امبارح حرق دمي ،
لاحول ولاقوة الا بالله ، الله يحرق دم اللي يحرق دمك ، ايه العبارة ..
جماعة سنية ، من اللي بدقون دول سدوا نفسي ،
 وسودوا الدنيا في عيني ، على الصورة اللى هيتسببوا في تكوينها في أذهان الناس عن الدين ،
بس بس ، حياة ابوك ياشيخ ، خد من قلبي وصر منهم ، برررييه منهم  برررييه ،
بالك لو فضل الأزهر والأوقاف سايبنها كده ، ابقى تعال قابلني ، 
هتبقى صورة الدين قاتمة ،
وهتتطلع أجيال جاهلة وغبية ، وامخاخهم زي الصرم القديمة ،
والعالم كله هيتفرج على جرستنا ،
 واهو اديك شايف ، كل شوية رزية من شكل ، ايشي تكفير وهجرة ، وجهاد ،
 والسماوي ، والخزعبلاوي ، وامير الجماعة ..
 يا خيبة أملك يا زغبي يابن شلباية ،
 وأهي غطت ووطت والأخوان ، حبايبك اللي انت واقع في غرامهم ، وبتدور عليهم ،
 طالعين شدين حيلهم من المعتقل ، وخدوا العيال بتوع الجماعات الاسلامية تحت باطهم ،
بالمناحة اللي عملوها عن المعتقلات والتعذيب ، وكده شكلها حتحلو أوي يا شيخ حمادة ، وربك يستر ،
يا مؤمن دا انى مش عارف اكلم في الجامع ، معدتش حد بيسمعني ،
 الا عمك الحاج مليجي ، وشوية المكسحين اللي زيه ،
 والعيال الشبان بتوع اليومين دول بيعاملوني كأني خنفس ،
آه ماهو بتوع الدقون بيفهموهم ، ان أني علشان حالق دقني وأليط ، يعني كخه ،
 ليس لها من دون الله كاشفة ، أى والله ياحمادة يابني ،
سيبك من الغم ده على الريق على الصبح ، دا ني مش هفطر النهاردة ، استعدادا لبط ورقاق وملوخية أم حمادة ،
يا أرحم الراحمين ، بالك لو الكافر شم ريحة طبيخكم ، ادي دقني ان ما اسلم ،
 دا اني كل ما اكل عندكم ، اروح لمراتي اقولها ، لن تدخلي الجنة ، الا لما تطبخي زي ام حمادة !
يكاد حمادة يفطس من الضحك ، على خفة دم الشيخ زغبي ، التلقائية البريئة ،
امال .. تصدق ياحمادة ، انا مابصدق أشوفك ومابقاش عايز ابطل كلام معاك ،
 ربنا يعلم محبتك في قلبي ياابني ، ويجعل دعاي من نصيبك ،

المهم ، مش هتقولي ايه اخبار موضوع بابا ..
أبوك ؟! هو فيه أطيب وأجمل من الراجل ده ؟! أى والله ،
بقولها وهأتسأل عنها يوم الدين ،
واني اللي عرفت أبوك من أيام ماكنا بنشلح ونجري ورا عربية الرش ،
 حسين كان من يومه عاطفي وقلبه طيب ، ومالوش خرباش ، عينه وعافيته انه يلعب مع اصحابه ، وبس ،
 وكان لبق ولسن ، ونزيه ويحب الوجاهة ، وله روح فنان ، مايبطلش دندنة ،
 وأصابع فنان ، هو فيه خراط وبراد زيه ، الا المعلم جميل ، الله يرحمه ،
امال ايه سبب الي هو فيه ، يامولانا؟
جدك !
جدي ، ازاي ؟! مش ممكن جدي يكون سبب في أذية حد ، وخصوصا بابا ،
 دا حتى كان بيحبه ، ويصعب عليه ، وياما عيط علشانه قدامي كذا مرة !
.. وأنا أقول فيه سر بين بابا وجدي ، قلبي كان حاسس ان خزنة بابا ، في صدر جدي ،
دماغك ماتروحش لبعيد ياحمادة ، دي كانت ظروف زمن ، وثقافة سائدة ،
 مولانا فى عرضك ، أنا عايز أروح السوق ، وماما قايمة من النجمة
علشان الناس اللي جاية ،
ناس ، ناس مين اللي ناويين يزاحموني ،
هما هيزاحموك بعقل ، كفاية عمي منعم ، سبارتاكوس العزومات ،
 ماما قاعدة بتعمل له طريحة المحشي اللي تكفيه من امبارح ،
ياميلة بختك يا زغبي ياابن شلباية ، بقى يارب يوم ما تفرج بغداء، كالفتح المبين ، عند أم حمادة ،
 ألاقي الصاعقة بحالها محتلة المكان ،
 ومين كمان اللي جاي يا وش السعد ان شاء الله ، قول قول ماهي باظت ، عليه العوض ،
مفيش ، نينة وعمو ماهر ،
الحمد لله ، نينة ملهاش سنان ، وماهر ، عيان وغلبان ، كبيره شوية شوربه ،
ربنا يشفيه ، ويهد منعم المفتري ،
ماتخافش يامولانا ، عمو منعم  مزاجه المحشي ، وخصوصا ورق العنب ،
لكن انت ملك الظفر ،
أمال ، دا أنا ليا أمجاد ياحمادة يابني ، في النهش و التفسيخ ، هيييه ،
نرجع لمرجوعنا ، ومش هطول علشان تشوف مصلحتك ،
انت ياحبيبي، ماشفتش جدك المعلم جميل ده ، في أيام جبروته ، يا لطيف ،
كان يعدي بس من حارة مطحنة ، ماهو البيت القديم كان هناك ،
 بطوله الفارع ، وعينيه الصارمتين ، ووجهه العابس ،
أيام العز والورش العمرانة ، والشغل اللي على أصوله ،
أول أربع بطون جابتهم ستك أم حسين ، ورا بعض ، في أربع سنين ،
كانوا صبيان ، كلهم ماتوا ،
 لما جدك عرف سكة الكيف بسبب البلوة دي ، كانت هيتجنن علشان يجي له عزوة للورش والشغل ،
  يقوم أول واحد يشرف ويكتب له النجاة ، المسكين أبوك ، ووراه السبعة الباقيين ،
طلع أبوك زي أي عيل ، عايز يجري ويدلع ويلعب ، لقى الورشة قدامه ، وكرباج المعلم جميل على ضهره ،
 أبوك كان عايز يطير ، وجدك مسلسله في الورشة ،
اذا حاول  يزوغ ، يتكتف ويتجلد بالكرباج ، لما يبان له اصحاب ،
 ومين يجرؤ يحوشه من المعلم ،

بس أنا مش ممكن أصدق ، ان جدي يعمل كده ، دا كان أحن قلب في الدنيا ،
ياحبيبي ، دي ملهاش دعوة بالحنية ولا بالقسوة ،
قلت لك دي ثقافة سائدة ، في التعامل مع الأبناء ،
 ومازالت الى يومنا هذا ، وهتفضل في طبع المصريين ليوم الدين ، ،
على أساس ان الشدة ، بتربي العيل وتطلعه راجل ،
 وان البنت لما يتكسرلها ضلع ، يطلع لها أربعة وعشرين ،
ومش معنى ان الأب يضرب ابنه ، يعني بيكرهه ،
لا دا علشان خايف عليه ، وعايز مصلحته ،
علشان كده ، ثقافة الأب ، يابخت من بكاني وبكي عليا ، ولاضحكني وضحك الناس عليا ،
أما الأم ، فثقافتها ، أدعي على ابني ، واكره اللي يقول آمين ،
وبعدين ..
جدك ربنا هداه لما شارك في بناء الجامع ، وبعدها جوز أبوك ، وانت نورت ،
لكن الأوان كان فات ..
كان أبوك حرن ، وخد الموضوع على نفسيته ،
 وطول أمد القسوة والضرب ، علشان يتعلم يشيل المسئولية ،
كرهوه في جدك وفي الورشة ، وفي الشغل ، وفي أي شكل من أشكال المسئولية ،
وخصوصا ان الست والدتك ، قوية ، ومش عاطفية زيه ..
 فطبعا كانت عايزاه يكبر في السوق ويجيب لها بيت ، ويعيشكوا عيشة مرفهة ،
 ما كدبش أبوك خبر ، وساب لهم الجمل بما حمل ..
 قفل الورشة ، وراح اتوظف في الشركة الهندسية ،
 وأهو كل شهر ، يخصم مصروفه ، ويرمي للوالدة بقية المهية ،
وعزة جلال الله ، قلبي انفطر ، لما رحت له في بيت عماد مطحنة ، ماهو قاعد معاه ،
 حالته تصعب على الكافر ، أهوعماد مطحنة الفقري ده ، هو اللي جاب أبوك ورا ،
ماهو الموكوس دا راخر ، قفل محله اللي كان بيشغي زباين ،
علشان قعدة القهوة والطاولة ،
المهم ، أنا الحمد لله ، روقت أبوك آخر روقان ، وهاتشوف النهاردة ،
الفاتحة ان ربنا يهديه ، ويوسع عليه ،

ينصرف حمادة مسرعا ، ليحضر طلبات أمه ..
 يعود الي البيت ، فيجده وكأن فيه عرسا ، حتى صرير باب الشقة ، كأنه زغاريد ،
 أمه تعمل بألف يد ، تساعدها طنط عايدة ، وقد بدا وجهها كقرص الشمس ،
 من صهد الفرن ، وسخونة الأبخرة المتصاعدة ،
سهام ونادية ، و سلوى ، لفرش البياضات النظيفة المكوية ، والسجاجيد ، وتنسيق المفارش ،
 وتلميع المرايات والبراويز وكل شيئ ، حتى بدا البيت كعروس جلوها ، فردت في وجهها الدموية !
قضيت الصلاة ، لينطلق حمادة ، نحو أبيه ، ومعه أخيه حسن ، فيصافحه الأب بخجل ،
 ويجثوعلى ركبتيه ليحتضن حسن بقوة وتأثر ،
يسحبه حسن من يده .. ياللا بيناعلى البيت ، ماما عامللك أكل حلو ،
وبيتنا مليان ضيوف ،
 يتلفت الأب ، كعادته ، فين الشيخ زغبي ؟! شكله خرج من الجامع ،
 يشير اليهم الشيخ ، من الخارج محملا بأكياس الفاكهة ، يالا  يا حسين يا اخويا ،
أني بتغدى بدري ،
 فيضحك الجميع ،
هاهو البيت الذى كم طال عليه أمد الكآبة والرقاد ، يتنفس وينهض أخيرا ،
 لتفرح السلالم بدبيب الأحبة ، وترتاح الكراسي لدفء الجالسين ،
وتلين السجاجيد لخطو العائدين ،
حتى طقم الصيني وأدوات السفرة ، انتعشت ولمعت ، بالعودة الي العمل ،
بعد طول مكث بدولاب الفضية ،
 يسبق حمادة ..
 طريق ياجماعة ، الشيخ طالع مع بابا ،
 ليدلف الأب من الباب مطرقا ، يهرب من مواجهة أم حمادة ، متشاغلا باحتضان وتقبيل سهام ونادية ،
 متخذا من نحنحات وبسملات الشيخ زغبي ، وسعال الأعمام ، وبكاء الجدة ،
ساترا ليدلف الى غرفة الطعام مباشرة ،
يتالق الشيخ زغبي ، منتشيا لحلاوة الطعام ، فيضفي على البيت بهجة وعلى القلوب سماحة ،
 ويعزف بصوته العذب وضحكاته المجلجلة ، موسيقى الحب والوئام ، فتغمر الفرحة الجميع ،
حتى الصواني التى نشطت ذهابا وايابا ، تحمل الفاكهة ، والشاي والقهوة ..
 ليعود الدبيب و الضجيج الى السلالم  .. شرفتو وآنستو ، خطوة عزيزة ..  أم حمادة ، وقد تهلل وجهها بالبشر ،
 يعز مقدارك .. تسلم ايدك ياست الكل ، دايما عامر .. ضيوفها ، وقد اختلطت أصواتهم ،
 ليودع الأب الجميع على بوابة العمارة ،
 يقابله حمادة وسهام ونادية وحسن ،
رايحين على فين يا حمادة ، هو أنا لحقت أتلم عليكم ؟!
رايحين نسهر عند عمي أحمد ، هنشوف مدرسة المشاغبين
طب خد بالك من أخواتك ، و أوعو تتأخروا ، مع السلامة ..