Search This Blog

Saturday, February 25, 2012

تذكر دائما..

1.    أن تجعل ضميرك  ، وخوفك من الله ، ومصلحة وطنك العليا ، فوق أي إعتبار كان ، سواء عصبية أو حزب أو إنتصار لنفس أو إعجاب بشخص .. كائنا من كان .

2.   أن تتجرد وتنكر ذاتك ، وأن تكف عن الدفاع المستميت عن أفكارك ، وأن تتعلم الإنصات الجيد الخلوق للناس ، كل الناس ، ولتكن كفة الكلام عندك نصف كفة العمل . 

3.   أن  تتخلص من وبال النرجسية  والتعالي ، والإعتقاد بأنك تحتكر الحقيقة ، وأن الآخرين جهلة رعاع ، فالتواضع وخفض الجناح ولين الجانب ، جسور إلى قلوب الناس .

4.   أن تجعل محبة الناس هدفا لك ، بصرف النظر عن الإتفاق أوالإختلاف معهم ، فالخلاف لايفسد للود قضية ، وصناعة الحب كبيرة ، إلا على الخاشعين ، فلتثابر فى طلبها وتصبر على ذلك ، وتبذل من أجله ،  ولتسلك كل السبل لكسب القلوب ، فلا تدع فرصة لإسقاط قطرة حب صافية فى قلب أحد إلا اقتنصتها ، مهما كان مختلفا عنك أو مخالفا لك ، اجعل هدفك المشاركة فى بناء أكبر خيمة للحب يستظل بها أبناء وطنك ، واربأ بنفسك أن تنسل حبلا أراده الله أن يكون متينا ، فأرتمى فى حضن مصر وأهلها ، لاتفرق بين أحد منهم.

5.   أن تجعل من لباقتك إطارا جميلا لعرض أفكارك ، فالنبى محمد صلوات الله عليه ، كان أجمل من الجمال ، أنظف من النظافة ، أطيب من العطر ، أنصع من الشمس ، أسهل من الماء ، فأسلك دربه ، وانسج على منواله ، وحاكيه فى تأنقه وجماله وجلاله . 

6.   أن تبذل جهدا فى التحقق والإطلاع ، والمتابعة الدقيقة الواعية لمجريات الأحداث ، ما استطعت الى ذلك سبيلا ، و أن تتواصل مع كافة الإتجاهات والأفكار، بمعزل عن إتفاقك أوإختلافك معها، ولترتقى بمستوى حديثك وإدارتك للنقاش ، ولاتنحدر لبذاءة الصغار أبدا . 

7.   أن تهتم بالتفاصيل ، فلا تتردد فى إلقاء التحية على كل أحد ، ولتخاطب الناس باللقب الذى يشعرهم بالإحترام والتقدير ، ولا تهمل (من فضلك) قبل كل تعامل و(شكرا) بعد أى تعامل مع الجميع .. الباعة ، سائقي التاكسي ، الموظف فى مكتبه ، شرطى المرور ، حتى الأطفال ، أرفق بهم وأحدب عليهم ، إحرص دائما على أن تترك أطيب إنطباع  . 
  
8.   أن تجعل من نفسك جهازا إعلاميا لصالح وطنك ، فلا تدخر جهدا لدحض الأضاليل والأكاذيب ، ونشر الوعى الوطني ، ليس بالدفاع العاطفى المتحيز ، بل بالعقل والموضوعية ، فى محيط الأصدقاء و الأقارب والجيران وزملاء الدراسة والعمل ، فى المواصلات العامة والأسواق ، فى المداخلات الإعلامية وفى الرد على الصحف ، لاتهدأ ولا تصمت ، ولتكن عدتك  الثقافة والإلمام بالموضوع ، وعقلك الذكى وصدرك الرحب ونفسك الطويل ، وما أعظمها من أدوات.

9.  أن تجيد التجاهل كما أجدت الإهتمام ، فلا تدع أعداء وطنك من المضللين الكاذبين الحاقدين ، وأبواقهم المفضوحة ، يحددون ويفرضون أخبارهم ، مايجب منها أن يذيع و ينتشر ومايجب أن يوأد وينحسر ، بل افعل العكس ، فى الأوساط التى تنشط فيها ، افرض حصارا على أراجيفهم ، وأضرب عليها سياجا من النسيان والتجاهل فلا تساهم فى إشاعتها وترويجها بكثرة الكلام حولها .

10.  أنه لاقيمة لأي إدعاء بالوطنية والتغني بحب الوطن ، دون عمل وإنتاج ، وبناء وإعمار ، وإعلاء للقيم وإحترام للقوانين .

Thursday, February 23, 2012

العَصّارة - الحلقة الثالثة عشرة

يدخل حمادة من الباب ، حاملا لوازم الفطور ، يستقبله صوت أمه وهى تجاهد لأيقاظ أبيه ..
واد ياسونه ، بتكلم مين في البلكونة عندك ، يالا علشان مدرستك ..
أيوه ياماما ، دا عادل بيسأل على حمادة ،
قوله نازل أهه ، ويالا تعالى على سكتي ،
السلام عليكم ، ازيك يا أخ عادل ،
وعليكم السلام ، بالله عليك ياحمادة ، دي ورطة تورطها لي ؟!
ورطة ايه كفاالله الشر ؟!
كلمة الجماعة الإسلامية في الإذاعة النهاردة ، ياراجل ، دا أنا دخت علشان بس أختار الموضوع ،
والله ما عرفت أذاكر ، ولا حتى أنام ،
وماله يا أخ عادل ، كلنا بنتعاون وبنتعلم ،
دلوقتي بس عرفت قيمة موهبتك ، ماشاء الله عليك ،
مقولتليش ، نشاطنا في الجماعة الإسلامية هيقتصر لحد آخر السنة ، على الإذاعة بس ؟!
مش عارف ، انت رأيك ايه ؟!
قول انت ..
والله ، لو حافظنا على اهتمامنا بفترة صلاة الظهر ، مع الإذاعة ،
 أعتقد دا يكون كافي جدا ، ومناسب لدخلة الإمتحانات ،
ودا رأيي برضه ،
إجمع طابور ....
بخمود الحركة والضجيج ، ونشاط الهدوء والصمت ،
وبينما يعلن اليوم الدراسي عن قرب انتهائه ،
ينتبه حمادة من غفوة اعتاد أن يسرقها في الحصص الأخيرة ،
كلما سنحت له الفرصة ،
ليتكأ عليها بقية يومه المشحون دائما ..
محمد يا جميل ، كلم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
السلام عليكم ، يا أستاذ اسماعيل ،
تعال يامحمد ، انت ليه ما قولتش كلمة الإذاعة النهاردة ؟!
أبدا يا أستاذ ، حبيت أشرك زملائي ،
طب أشرك أستاذك الأول يا أخي ، ليه مخدتش رأيي في التغيير ده ؟!
آسف يا أستاذ ، فكرت الموضوع عادي ،
ومالقتش غير الواد الغبي اللي اسمه عادل ده ،
 تخليه يتنيل يتكلم في الطابور ، ويعك الدنيا ، ويحرجنا قدام المدير ،
أنواع نجاسات ايه ، وزفت ايه اللي بيتكلم عنها دي ،
 الله يسد نفسه ، زي ما سد نفسنا على الصبح ،
من هنا ورايح حسك عينك حد يقدم الكلمة دي الا أنت ، فاهم ،
والا والله ألغي يوم الإذاعة المخصص للجماعة ده ، واريح دماغي ،
أنا آسف يا أستاذ ، مش هقدر ،
نعم .. هو بمزاجك ؟!  المدير بذات نفسه ، كلمني النهارة ،
بعد الكلمة المرحاضية بتاع الواد الغشيم ده ،
وقال لي ، ثبت جميل النادي في الفقرة دي ،
وكان مبسوط جدا من أداءك في الحفل ، وهيستقبلك في مكتبه ،
مش عايز يا أستاذ ، مش عايز حاجة ، ولاتثبيت ولاتكريم ،
خد هنا يا واد ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ايه اللي جرالك ،
ما انت كنت زي الصاروخ ، ماشاء الله عليك ،
مالك ، قوللي ، حد زعلك ، حرنان ليه ؟!
كلامي ونشاطي بيوغر صدور بعض الزملاء ، وبيقولوا ان أنا واكل الجو ، وبستعرض ،
وانهم خايفين عليا من الوقوع في الرياء ،
آه ، كده أنا فهمت ، وطبعا الواد الغبي دا منهم ؟
شوف يا ابني ، انت بسم الله ماشاء الله عليك ، ولد نابه ، وربنا أفاء عليك بمواهب عظيمة ،
فأنت قائد فذ ، لديك براعة نادرة في التجميع والتنظيم ، وخطيب مفوه ، ومتحدث لبق ،
وأجمل مافيك ذكاءك الاجتماعي المبكر النادر ،
 دي يا ابني نعم عظيمة ، سيحاسبك الله عليها ،
فتعهدها في نفسك بالرعاية ونميها بالعلم ، وسخرها لخدمة وطنك ،
ولاتبالي بأصحاب العقول الضحلة ، والعقد الاجتماعية المتأصلة ،
واستعن بالله ولا تعجز ، واخلص نيتك ، وتزود بالتقوى ، واستقم على الطريقة ،
من اليوم فقرة الكلمة الإسبوعية في الإذاعة مسئوليتك ، اتفضل ، مع السلامة  .
السلام عليكم ، ازيك ياعمي ،
أهلا سي حمادة ، وشك ولاالقمر ، بطلت تيجي ليه ؟
معلش كنت بحاول أنظم أموري بين المذاكرة والمحل ،
هيه ، ونظمتها ؟
الحمد لله ، كنت عايز أنجز حاجة النهاردة ، لو فيه شغل ليا يعني ،
بقولك ايه، انت ترسالك على بر ، علشان الشغل اللي هيتركنلك ،
محدش هيعمله الا أنت ، فاهم ،
حاضر ، بس أستأذن في حاجة ،
نعم ،
كنت عايز آخد الكاسيت جنبي وأنا بشتغل ، أسمع عليه شرايط سجلت عليها دروس ،
 أهو أديني أراجع برضه ، وأنا شغال ،
بسيطة دي ، اتفضل خد الكاسيت جنبك ، وخلي توفيق يطلعلك شغل تعمله النهاردة ،
ازيك يا توفيق ، فيه شغل ممكن أعمله النهاردة ؟
خد ، ستة حتت أهم ، توكل على الله ..
طب ممكن من بكرة ان شاء الله ، تعمل حسابي في عشر حتت ،
خف انت ايدك بس ، وربنا يسهل ،

ايه ، خلصت الشغل ،
الحمد لله ، وسلمته لتوفيق ،
كام حته ؟
سته ،
خد حسابك ، وفوت على مراة عمك وانت ماشي ،
حاضر ، انا كنت لسه هستاذن حضرتك ، أفوت على البيت ،
سلام عليكم ،
أهلالالالا ، مش معقول ،
إازيك يا هوبة ،
حمادة ياماما ،
خد تعال هنا ياواد ياحمادة ، أعمل فيك ايه ، هو انت ما تصدق تغطس ،
 مش تيجي ياواد تودنا وتطل علينا ،
والله غصب عني ، ومع ذلك ، أديني جيت أهه ،
خش ، يالا على ما أجيب لك لقمة تاكلها ،
علشان خاطري ، بلاش أكل ، انا عايز حضرتك في موضوع أهم ،
ولا كلمة ، قبل ما تاكل لقمتك ، تقولش جي واكل خروف ياخي ، كل ونتكلم على الأكل ،
يالا ياواد يا ايهاب تعال حط العيش والملاعق  ،
امال نورا فين ؟
في الدرس وزمانها جاية ،
ايه الموضوع المهم قول ،
حضرتك عارفة معزتك عندي ،
دانت في غلاوة العيال دول ، ياما قلبي انفطر عليك ،
بس ماكانش بايدي حيلة ، انت عارف عمك ،
الحمد لله ، اهو مهما كان ، كتر خيره ، المهم حضرتك عارفة الظروف ،
واذا كان فيه عمر ونصيب في الجامعة ، محتاجة تدبير من دلوقتي ،
لأن حتى لو بابا صلح الوضع ، هتبقى الأولوية لجهاز البنات ،
قلبي معاكم والنبي يا ابني ، ان شاء الله ، تتنصف وتروح الجامعة ،
 وربنا يوسع على باباك ويستر البنات ،
قولي بس اقدر اعمل ايه ؟ وانا مش هتاخر ،
ربنا مايحرمني منك ، أنا بحاول أزود انتاجي في المحل ،
علشان أطلع اتنين جنيه على جنب ، بعيد عن ايد ماما ،
عايز حضرتك ، تشوفي لي جمعية ، بحوالي خمسين جنيه في الشهر ،
بحيث لو أقبضها على شهر عشرة الجاي باذن الله ،
أهو تسندني في احتياجات الكلية ، من لبس ، وخلافه ،
من عينيه ، اعتبر الجمعية في ايدك في الوقت الي انت حددته ده ، بس ، طب ومذاكرتك ،
ما تخافيش ، ان شاء الله هنجح وأحقق اللي في دماغي ،
بسم الله ماشاء الله عليك ياحمادة ، من يومك مستقيم وراجل ،
عقبال ما أشوف ايهاب ابني زيك ،
ان شاء الله ، تشوفيه أحسن مني ، يالا متشكرين ، سلام عليكم ، سلموا لي على نورا

ياابني انت مش هتبطل عمايلك دي ، تقدر تقولي كنت فين ؟
كنت في المحل ، وعديت على أم ايهاب ، وبتسلم عليكي ،
الله يسلمها ، طب مش تنبهني قبل ماتنزل الصبح ، ولا تسيبني محتارة كدا ،
وبعدين ايه اللي رجعك المحل ، اعمل معروف ، مش هشيل ذنب نتيجتك آخر السنة ،
معلش ، حقك عليا ، متخافيش ، انا مظبط أموري ، ان شاء الله ، هنصفك ،
مش هتاكل ،
أكلت الحمد لله ، مزنوق ، عايز أجهز لدرس الرياضيات عند الاستاذ مجدي ،
يادوب ألحق أحل التمارين قبل العشاء ما تدن ،
علشان هروح خمس دقايق بعد صلاة العشا مع الشيخ زغبي ،
نعزي الدكتور بشاي في حماته ،
فيك الخير ، بس انتبه لمذاكرتك ،
ادعي لي انتي بس ،
منورنا ياشيخ زغبي ، انت وحمادة ، متشكرين أوي ،
دا نورك يادكتور ، كفاية أبونا باسيلي مشرف الحتة كلها ، متشكر يا شيخنا ،
 دا من أصلك ،
 معلش اتاخرنا ، الله يقدس روح الست تريزا ، كانت نسمة طيبة في دنيتنا،
أبونا باسيلي ، الشاب الصغير الجميل ده ، حمادة ، ابننا ،
ولد متدين ومؤدب ، ريحانة الحي ،
جده الحاج جميل النادي الله يرحمه ،
معقول ؟ أهلا يا ابني ، الحاج جميل ، قل أن يجود الزمان بمثله ،
 كنت لما اروح له الورشة ، في شغل للكنيسة ،
كان يقوم يجري يرحب بيا ، ويهتم ويشرف على كل حاجة بنفسه ،
 لحد ما تتعمل باسرع وقت ، واعلى مستوى ،
ويرفض بشدة انه ياخد اي مصنعية ، حتى بقشيش العمال ،
ويقولي ، زي ما بعمل للجامع أعمل للكنيسة ، كلها بيوت ربنا ، الله يرحمه ،
فاكر يا شيخ زغبي حكاية المحكمة ، أكيد سمعتها من الحاج جميل ،
طبعا ، كان بيحب دايما يحكيها ، ويفخر بيها ،
من حوالي عشرين سنة ، كان جامع سيدي أبو الحسن الكبير ده ،
عبارة عن زاوية أو مصلى ، في ركن من ساحة السوق الممتدة أمام الكنيسة ،
لحد ما نشأت فكرة تكبير المصلى بمساحة السوق كله ،
 ليضاهي الكنيسة ، بل ويتفوق عليها ،
وبالفعل تسابق الجميع ، وبادر أصحاب الورش والمحلات بالتنازل عن أماكنهم ،
عن طيب خاطر لصالح توسعة الجامع،
وكان الحاج جميل على رأس من فعلوا ذلك ، اتنازل عن ورشته ،
وراح خد ورشة كبيرة في شارع الخديوي ..
خدوا بالكو ، ابونا باسيلي بيحكي تاريخ عظيم ،
بالضبط يا شيخ زغبي ، المفروض الكلام اللي هقوله ده ، يتسطر في كتب التاريخ ،
المهم تسابق الجميع ، ليخرج المسجد في أبهى وأفخم صورة ،
 وليشكل مع الكنيسة لوحة رائعة ، تزهو بها مدينتنا ،
لكن سرعان ماتعالت أصوات من الكنيسة ، تبدي أستياءها من لغوشة ميكرفون الأذان ،
قابلها على الطرف الآخر أصوات أبدت ضيقا من تشويش دق الأجراس !
حتى وصل الأمر الى المحكمة ، جماعتنا احتجوا بأن الكنيسة
 سابقة في المكان على الجامع ،
وأخواننا من أهل الجامع ردوا بأن هذه بلاد المسلمين ، يفعلون بها مايشاءون ،
ثم أين صوت الأذان العذب الخاشع ، من قرع الأجراس المزعج الصادم ؟
احتدم الخلاف ، وتعالت الصيحات وتكهرب الجو ، حتى بدت الحيرة على وجه القاضي ،
ليخترق هذا كله ، رجل يهب واقفا كسد منيع في طريق الفتنة ،
كطود شامخ في وجه الطوفان ،
يندفع المعلم جميل النادي نحو المنصة ، بقامته المهيبة ،
وصوته الجهوري الحاسم ، مستئذنا القاضي في الكلام ،
فياذن له القاضي ، ليقول قولة تكتب بحروف من نور ،
حتى ابكت ابونا باخوم ، وقد كان جالسا الى جواري ،
بل وكثيرين في قاعة المحكمة أيضا ، قال بصوت مؤثر جدا :
يا جناب القاضي ،
 مش هيفضل من خير البلد دي حاجة ، و هيتخلى عنها ربنا ،
ان ماكانش الادان يدن ، والجرس يدق !
لم يبدد صمت الخجل الذي عم المكان ، الا كلام القاضي الحاسم ،
برفض الدعاوى ، وتنبيه طرفي النزاع :
اتوكلوا على الله ، واتوحدوا ، واعبدوا ربنا بحب ، فالله محبة !
رجعنا كلنا مع بعض لحد ما وصلنا السوق ، سلمنا على بعض ،
فبادر الحاج جميل النادي ، بعد استئذان الشيخ رجب امام الجامع .. قائلا :
احنا من ناحيتنا هنوجه الميكرفون الجهة التانية ، ونضبط صوته بحيث ما يعملش دوشة ،
رد أبونا باخوم وقال لي ، يا باسيلي ، مفيش جرس ساعة الآذان ،
 أو وقت الفريضة عند اخواننا في الجامع ..
ماتدقش الأجراس ، إلا لما يخلصوا !
يفشل حمادة في مقاومة دموعه ، فيغمز للشيخ زغبي ، ليستاذنا ،
تصحبهما عبارات إمتنان الدكتور بشاي على السلالم ،  يودع حمادة الشيخ زغبي ،
تغشاه مشاعر مختلطة من الإمتنان لجده ، الذي لو انصف التاريخ ،
 لخصص له صفحة بهذا الموقف وحده ،
والحنين إليه ، وتنسم عبير ذكراه ،
بينما ينطلق مسرعا ليلحق بدرس الرياضيات ..
إزيك يا حمادة ، إتأخرت ليه على الحصة ، مش عوايدك ،
آسف يا أستاذ ، كان عندي مشوار عزا ، ست مسنة جارتنا ،
طب خش حل تمارين مع زملائك .. على فكرة ، الله ينور عليك ، الحفلة أدهشت الجميع ..
آه ، وكمان الأستاذ عاطف الغويط ، عايزك تفوت عليه وانت نازل ،
ياللا ، توكل على الله ، حل معاهم التمارين دي ، و تعال لي ..
الأستاذ عاطف موجود ،
نقوله مين ؟
محمد جميل النادي ،
اتفضل ، أهلا يا أخ محمد ، ابن حلال ،
كنت في انتظارك أنا و الأخ رائد ، علشان أعرفكو ببعض ،
الأخ رائد البسيوني ، رئيس اتحاد طلاب كلية الصيدلة ،
بدا رائد لحمادة ، من أول وهلة ، شابا ربعا ، متوسط الطول ، عريض الصدر ،
مدور الوجه ، ابيضه ، كأنما قد من جبس ، لخلوه من اية انطباعات ،
واسع العينين أسودهما ، كشعره الفاحم ولحيته الكثة ، وحاجبيه الكثيفين ،
يجلس حاملا بيده كتابا ، ينظر بعيني من يتفرد بفهم مالا يفهمه غيره ،
أو يقوم بعمل ربما لايقدرعليه أحد سواه ،
من آن لآخر يبدي لحمادة ابتسامة باهتة ، كلون ثوب قديم ،
أهلا يا أخ رائد ، أنا محمد جميل النادي ، ثانوية عامة ،
ليكمل حمادة جلسته صمتا ، متحيرا من شعور غريب اجتاحه بعدم الارتياح لهذا الشخص ،
فلم يجرب على احساسه كذبا قط ، فهو شديد الحساسية للانطباعات الاولى ،
هيه يا أخ محمد ، عامل ايه في المذاكرة ، باين عليك مرهق ،
الحمد لله ، أنا مرهق كده على طول ،
الأخ حمادة ، ماشاء الله عليه ، شعلة نشاط ، بيشتغل وبيذاكر ، ومجتهد ،
مدرسته الضخمة العريقة ، كانت خامدة كأسد عجوز في قفص ،
فنفخ فيها الروح ، بهمتة ونشاطه وذكاءه ،
واقام فيها عملا جميلا ومنظما ،
أجرى الدم في عروق زملاؤه ، وادهش الجميع .. الأستاذ عاطف متحدثا بفخر !
انت معجب بالأخوان يا محمد ؟!
حمادة ، مندهشا من صلف رائد ، وتجاهله التام لما حكاه الأستاذ عاطف ..
وبينما تقفز الى مخيلته كلمات صديقه فؤاد ، والشيخ زغبي ، يرد :
يعني ، لسه بحاول أفهمهم ، أنا معجب ببعض أفكار الشيخ حسن البنا ،
 لكن معرفش مدى صلتها بالواقع  ،
رائد البسيوني ، محاولا إخفاء اندهاشه من جرأة حمادة ، وتعامله بندية ، وإعتداده بنفسه ..
طيب ياسيدي ، تعال إنت وزملاءك زورونا في الجامعة ، ونتعارف أكتر ، يمكن نعجبك ..
هحاول ، إن شاء الله ، بس الإمتحانات على الأبواب ، ربنا يسهل ،
 استاذن ، سلام عليكم ،
يخرج حمادة من بيت الأستاذ عاطف الغويط ،
ليجد نسمات مارس المنعشة بانتظاره ، لترافقه الي البيت ،
حتى تدخله الي بيتهم ، فيصادف سلوى على السلم ، بتلهف تسأله :
وصلك الشريط ؟!
ايوه طبعا ، شكرا ،
وايه رأيك ؟!
رائع ، إستفدت منه جدا ،
وبعدين ..
ولاحاجة ، لاصوت يعلو على صوت المذاكرة الآن ،
يعني نعطل قلوبنا ؟!
بالعكس ، نشغلها على الآخر .. بس مع ربنا ،
نتوجه اليه يالإستغفار ، وتلح عليه بطلب العون ،
تصبحي على خير ..

يصل حمادة الليل بالنهار ، العمل بالمذاكرة ، الأمل بالرجاء ..
يكاد يسقط من الإعياء ، كي يقطع شوطا على طريقه الوعر ، الطويل ، المضني ،
ليصل الي احدى محطاته المصيرية ، بظهور نتيجته المشرفة ..
التي فجرت ينابيع السعادة في قلب امه ، حتى أغشي عليها من شدة الفرح ،
وأعادت الروح الى قلب أبيه ، الذي انتعش من شدة الزهو ،
وأعادت الأنوار الى البيت ، وذكرت الأحبة بعنوانه ، فأتوه من كل حدب وصوب ،
بالسكر وشربات الورد ، والنقوط السخية ، ورنين الزغاريد ..
أول مرة في حياته يسمع في بيتهم زغاريد ، كم سمع وحفظ من أغان ، وأحبها وطرب لها ،
ليأتي نغم زغاريد يوم نجاحه ، يتردد صداه في بيتهم ، فينسخ كل ما سمع من أنغام ،
إلا صوت العندليب ، حليم ، رفيقه منذ الطفولة ، عاد اليه اليوم ،
بعد طول غياب ، ليصدح ، هاتفا ، الناجح يرفع إيده ..
بدت أمه ملونه بكل ألوان الفرح ، وكأنها دخلت الجنة ، وترتع في رياضها ،
وجهها الأحمر توهج وضاءا حنونا ، كشمس الشتاء ،
علا صوتها ، لعلعت ضحكاتها ، زالت أوجاعها ،
دبت فيها روح عروس ، طال انتظار عرسها ،
وغشيتها نشوة قائد حقق نصرا مؤزرا ، لاسيما بعد أن اكد لها الجميع ،
وعلى راسهم المهندس محسن ،  شقيق سلوى ،
أن مجموع حمادة سيدخله كلية الهندسة مستريح ، باذن الله ،
لم يعد في البيت موطأ قدم ، جدته وشقيقاتها ، خالات أبيه ، نينة عطيات ، ونينة فوزية،
اللائي يذوب فيهن حبا ، من فرط ماذاق من حنان في حجرهن صغيرا ،
جئن فرحات مزغردات ، ليسبح في أحضانهن ، وقبلاتهن ،
ويتبرك بدعائهن ، ونقوطهن السخية ،
وأعمامه ، وزوجات أعمامه ، وأبنائهم ، وخاله الوحيد ، وخالاته ، وابناؤهم ،
مبروك ، ألف مبروك ياحسين يا اخويا ، عقبال ما تفرح بالبنات ،
الله يبارك فيك يا منعم ، منور ياماهر ، صحتك عاملة ايه ؟ الحمد لله ، نحمده ،
بابا ، كلم ، الدكتور بشاي ، على الباب ،
مساء الخير ، مبروك يا معلم حسين ،
يا ألف مرحبا ، خطوة عزيزة يا دكتور ، الله يبارك فيك ، اتفضل ،
الله ، دا كل الناس الطيبين هنا ، مساء الخير ياجماعة ، مبروك لحمادة ،
يسعد مساك يادكتور ، اتفضل استريح هنا ، الشربات يا بنات ،
في الحقيقة يا جماعة ، حمادة ابننا ، مثال للإبن البار ، المستقيم المجتهد ،
لم يكد الدكتور بشاي يكمل كلامه ، حتى أجهش أبو حمادة بالبكاء ،
إيه يامعلم حسين ، أنا آسف ان كنت قلت حاجة ضايقتك ،
العفو يادكتور ، دي دموع فرح ، وحد الله ياحسين ياأخويا ،
سيبني يا منعم  ، مش عارف هعمل ايه للواد علشان يسامحني ،
تخليت عنه ، ودوخته ورايا في القهاوي ، وفي الآخر طلع نفسه مهندس ،
بعلو نشيج أبي حمادة ، يتكوم الجميع فوقه .. والنبي دا كلام ، حد يقول كده ،
هو له بركة إلا انت ، دا روحه فيك ،
وبعدين هو ربنا وفقه إلا ببركة دعاك له ، ورضاك عنه ،
فعلا يامعلم حسين ، حمادة بيحبك وبيحترمك ، ما تزعلناش في لحظة حلوة زي دي ،
ماتسمعونا زغرودة ياجماعة ، واد يا سونة ،
 قول للستات الي ماليين البيت دول ، يهيصوا شوية ،
قولهم عمي منعم عايز رقص وطبل وزمر ، روح إجري ، أمال ،
 أفرح ياحسين بضناك ووحد الله ياراجل ،
جارات أم حمادة ، حبيباتها ، و صويحباتها ،
اللائي يجمعهن بها البياض البض ، والنظافة والشطارة ،
يتناثرن حولها ، كالبط الشهرمان ، خفة ودلالا ،
يتبارين في إظهار الحب لها  ،والفرح لفرحها ،
بموجات متتابعة من الزغاريد الضاحكة ، والضحكات المزغردة ،
وبالقيام بخدمة الضيوف ،
يهرع لصلاة العصر ، متلهفا للقاء الشيخ زغبي ليبشره ،
فيتلقفه الشيخ بالباب ، محتضنا  يقبل راسه ، فيتعلق بعنقه الطويلة ، باكيا بحرقة ..
تعبت يامولانا ، نجحت يامولانا ،
فيصحبه الي غرفة مكتبه ، مرددا ، حاشا لله ، أن يضيع أجر من أحسن عملا ،
ويخر ساجدا شكرا لله ، فيتبعه حمادة ، ليبلل السجادة بدموع فرحه وامتنانه لله ،
يصل جواب مكتب التنسيق ، ليؤكد توقعات الدكتور بشاي ،
 بترشيح حمادة لكلية الهندسة ،
فتنشط الأفراح من جديد ، لتعلن أتها ستستمر ، في بقية الرحلة .. مهما كانت العقبات !
بعد جولة لحمادة على أخوانه ، وزملائه ، تبادلا فيها التهاني ،
فعادل الزيني ذهب الي كلية التربية ، والأطروش للتجارة ،
وأحمد عرجان للهندسة ، ونادر جورج للفنون الجميلة ..

يعود الي البيت الذي يلفه صمت ما بعد الفرح ، ليجد أمه مستلقية
 على كنبتها في البلكونة ،
يجلس قبالتها متمتما ، أخيرا سانفرد بشريك الكفاح ، واي كفاح يا أمي ،
يهمس محييا ، فتصحو كعادتها ،
انت جيت ياضنايا ، تعال الحق أمك ،
خير ياماما ، كفى الله الشر ،
ابدا ، خلصت الزيطة ، والفكر ركبني ،
فكر ايه ؟!
يعني ما انتش عارف ، الكلية وطلباتها ،
وحدي الله انتي بس ، من هنا ورايح ، تفرحي وبس ، هم وغم ، ممنوع ،
والله ما هيهنالي بال ، الا ما اطمن عليك ، ونستر أخواتك ، وافرح بعيالك ،
والله انت طماعة و اروبة ياماما ، هتعيشي دا كله ،
عايزني أموت ياحمادة ،
بعيد الشر ، انا بخزي عنك العين ، يانور العين ،
طب دا أنا ، حسبت كل النقوط طلعوا ربعمية جنيه ،
وفيه جمعية صغيرة عاملها مع طنط عايدة ، علشان الكلية ، هقبضها الشهر الجاي بمتين جنيه ،
يعني ستمية جنيه ، ياست الكل ،
طيب ، وحطي عليهم ستمية كمان ،
منين ؟
من الجمعية اللي انا عاملها ،
لاهو أنت عامل جمعية ، منين ؟
أي زيادة من المحل ، طنط أم ايهاب ، كانت بتحوشهالي ،
لااله الا الله ، والنبي باابني ، ما انا عارفة أقولك ايه ، ولا أكافئك ازاي ،
أنا ماحلتيش غير رضايا عنك ودعايا ليك ، بس تسامحني ،
بلاش دراما الله يخليكي ، خلينا نحسب الحسبة ،
كده المجموع ، الف ومتين جنيه ، انا هحتاج بالكتير أوي ربعمية جنيه ،
ودول هيكفوك ياحمادة ،
ان شاء الله ، دول ينغنغوني ،
انا محتاج ايه غير شوية لبس ، وبعد كده ، ان شاء الله ، هوفر طلباتي من شغلي ،
والباقي نفتح بيه ، دفترين توفير للبنات ، كل واحدة ربعمية جنيه ،
وأي قرش ممكن نوفره ، نحطهلهم في دفتر التوفير ..
روح ، الهي ما يخيب لك رجا يابن قلبي ، يارب ، زي ما بتفرج همي كل مرة ،
سبحان من أعطاك سحر لتفريج الهموم ، روح ربنا يحميك ، عيني عليك باردة ياحمادة !

العَصّارة - الحلقة الثانية عشرة

تعال يا أخ فؤاد ، جيت في وقتك ، نطلع من الدوشة دي علشان نعرف نتكلم ،
ينعطفان ليدلفا الى شارع الداير ، ومنه الى زقاق سيدي الوراق ،
نقعد هنا ، بحب أسند على حيطة سيدك الوراق ،
ياأخ فؤاد ، حضرتك كلمتني عن الإخوان وأبهرتني بفكرتهم ، وأنا ماكدبتش خبر ،
وجريت اشتريت الكتب وقريت ، واقتنعت ، ومن يومها وان بدور على الجماعة دول ،
ومش عارف أوصل لهم ، وكل ما أتوسم في حد انه منهم ، يطلع مالوش دعوة ،
انت رحت لمين ؟!
الأستاذ عبدالحفيظ المنياوي ، والأستاذ سعيد الدياسطي ،
ياابني ، دول ناس غلابة ، إنما الأخوان دول حاجة كده ، زي الكائنات الفضائية !
بقولك ايه ، يا اخ فؤاد ، الله يخليك ساعدني بجد ، علشان ورايا مذاكرة ،
ما انا بساعدك أهه ، وبقولك تاني ، انهم أشبه بالكائنات الفضائية ،
تلقى الواحد منهم ، فيرمقك بنظرة تقيمية فاحصة ، باعتبار انك هدف محتمل ،
نظرة متفحصة ، ملؤها النرجسية والشعور بالأهمية و احتكار الحقيقة ،
فقد سبقك الي الطريق الوحيد المؤدي الي الجنة ، من وجهة نظره ،
فطالما أنت خارج تلك الجماعة الربانية ، فأنت على خطر ،
وكم ستكون محظوظا ، لو وقع اختياره عليك ، لينتشلك من وسط العوام !
لا يا أستاذ فؤاد ، انت كدا متحامل جدا ، وماتزعلش مني ، صدمتني بجد ،
اسمعني للآخر ، وبعدين انت حر ،
ازاي اسمعك وانت بتقول الكلام ده ، على ناس دعاة الي الله ،
 بذلوا في سبيل دعوتهم الكثير ،
ماهي دي العلامة التانية ، هيكلمك عن المعتقل والتعذيب والمحنة ،
ومش بعيد يكشف لك ضهره لترى عليه أثر السياط ،
حتى تود لو تصنع له تمثالا ، تعال شوف جابر رزق وهو داير على الجامعات ،
 يردد ، بينما نحن خلف السوار ..
وهتروح بعيد ليه ، بالك الكتب اللي بتتكلم عن التعذيب ومذبحة ليمان طرة ،
خلت الأخوة بتوع الجماعة الأسلامية يترموا في حضن الإخوان ،
يعني طلعوا من المعتقل ، خدوها على الجاهز ، ودانت لهم بالسمع والطاعة !
أنا هتجنن ، يا أخ فؤاد ، لما أنت متعقد كده من الإخوان ، ليه دفعتني لطريقهم ،
بالعكس ، طب ياريت أعرف اجمع كل الولاد ،
 الموهوبين الأذكيا الشجعان اللي زيك ، من أنحاء مصر ،
وادخلهم جماعة الإخوان ، على الأقل يزيحوا سدنة الفكر التنظيمي ،
 المغرور ، المتعالي النرجسي !
طب ياللا بينا علشان ورايا مذاكرة ،وعندنا حفل مهم بكرة ، ياريت تيجي تشرفنا ،
نكمل كلامنا مرة تانية ، بس أوصيك تراجع نفسك في انطباعاتك الظالمة عن هؤلاء الأطهار !
يقترب حمادة من الباب ، ليتسلل الى سمعه ، صوت شجار حاد ، بين أبويه ،
فيدلف الي غرفته بهدوء ، ليرتمي على فراشه ، منصتا بألم ..
ياعنايات اخزي الشيطان مش كده ، هتسمعي بينا الناس علشان جبت علبة حلاوة ،
 دا جزائي اني عايز أفرح العيال ،
هو أنا لا كده عاجب ولا كده عاجب ، علشان لما أطفش من وشك ماترجعيش تعيطي ،
اتقي الله ياحسين وما تتلككش ، أنا ما بتكلمش على الحلاوة ،
ولا أكره لعيالي الفرح ، بس بالمعقول ،
مش تروح تضيع الفلوس على علبة حلاوة بالشيئ الفلاني ، تكفي جيش ،
 ونقضي بقية الأيام ناكل زلط ،
انت ناسي ان حمادة معدتش بيروح المحل ، والقرشين اللي كان بياخدهم ،
من شغله عند عمه انقطعوا ، بعدما كانوا بيسندوني ،
وهو مابيروحش المحل ليه ، أهو بدل تنطيطه في الجوامع ،
ياحسين حرام عليك ، أنت أيه .. معندكش قلب ،
خلاص اعتبرت شغل الواد بدالك عادي كده ،
هتقدر تشيل ذنبه لو سقط في الثانوية العامة ،
ولا صعبان عليك انه مايضيعش هو كمان ، زي ما كل حاجة ضاعت ،
أمال .. أصلك ماتعرفش القهر والمرار اللي نزلت بيهم فوق دماغه وكبدي بينشوى ،
علشان أثبته زي الوتد ، أشد عليه خيمتي ، واداري بيه خيبتي ،
لما الواد قلبه انكسر ياضنايا و شاخ  قبل الأوان ،
خيمتك ايه وخيبتك ايه ، انتي هتشعري ،
ما وراكيش الا الغم والنواح ، بتموتي في دور الضحية ،
ما تعيشي على أدك وترضي باللي بديهولك ، وتبطلي مجايب ، وعمايل ،
ما تبطل انت قاعدة القهوة والشيشة والسجاير ، واهتدي بالله وروح افتح ورشتك ،
على الأقل تفتح بيوت عمالك الغلابة اللي شردتهم ،
قلتك ميت مرة ماتجيبيليش سيرة الزفت الورشه ،
والا ورحمة أبويا أروح أولعلك فيها ، وفي نفسي وفي السوق كله ،
بتحلف برحمة أبوك ، ألف رحمة تنزل عليك يامعلم جميل ،
طب ياريتك كنت إتعلمت من أبوك ، ربع اللي إتعلمه إبنك منه ،
طب بلاش سيرة الورشة ، ما انا لسه مقابلة مراة بولس ،
امبارح ، في عزا المقدسة ، حماة الدكتور بشاي ،
ومحلفاني أيمان أكلمك توافق تِشرف بس إشراف على ورشة الأسطى بولس
 بعد ما أتوسع ،
ودلوقتي بيعمل قطع غيار وبيودي ليبيا ، بتقولي ،
بولس مستعد يدفع للمعلم حسين ،
مية جنيه في الجمعة ، بس يبص على الشغل ،
لا لا لا ، أنت أكيد أتجننتي ياعنايات ، وشكلي المرة دي هختفي من وشك الى الأبد ،
عايزياني أمد ايدي ، وآخد أجرة من واد كان صبي عندي ، حيا الله بيكنس قدام ورشتي ،
وماله ، مش أحسن من قاعدة الفقريين بتوع القهوة اللي جابولنا الفقر بعد العز ،
ساعتين تلاتة بعد المغربية تظبط للراجل شغله بخبرتك ،
 وانت معزز مكرم ، مش احنا اولى ،
انت أصلك مش داري بالدنيا ، الطاولة لحست مخك ،
وخلتك نسيت ان لك ابن داخل على جامعة ،
وبنات على وش جواز ، مش عايزين هم ما يتلم دول ؟!
خلاص قفلي على الموضوع ده ، أنا جايلي ترقية في الشركة ،
ورشحوني أنفذ تصميمات الخبرا الأمريكان اللي هيعملوا المشروع الجديد ،
ومرتبي هيضاعف ، اتلهي بأه واسكتي ، محسساني اني بقيت شحات ..
جاتك الهم وانتي فقر .. أنا هخفى من خلقتك ، واريحك مني ..
ينهض حمادة من فراشه ، متثاقلا ، يجتهد لإخفاء آثار دموعه ،
 يدخل على أمه ، وكأنه وصل للتو ،
لترمقه بنظرة ، تعرفه فيها أنها أحست به ، وتعرف أنه تابع شجارها مع أبيه ،

ماشاء الله ، ايه الحلاوة دي كلها ، يابركة مولد الحبيب النبي ،
اللهم صلي عليك بانبي ، كنت فين ياحمادة من ساعتها ، وسايب مذاكرتك ؟!
حالا داخل أذاكر ، امال بابا فين ؟!
انت تايه عنه ، جاب حلاوة المولد ، وجرى على حريمه .. القهوة والطاولة ،
واخواتك نامو ، واديني قاعدة وشي في الحيط ، على ما حضرتك تشرف ،
 علشان أعشيك ،
ربنا يخليكي ياماما ، جهزي لي نايب الشيخ زغبي من الحلاوة ، آخده معايا في صلاة الفجر ،
ينهي حمادة صلاته ، ليندفع بشوق إلى الشيخ زغبي ، مولانا الحبيب ،
 كل عام وانت طيب ،
اللهم صلي على صاحب الذكرى ، بالله عليك ياحمادة ده كلام ،
إيه بس يا غالي ،
كل يوم تصلي وتفط ، ملحقش حتى أسلم عليك ، والله واحشني ،
 ياجميل ياحبيب الجميل ، الله يرحمه ،
ألف رحمة عليك يا جدي ، وعلى أموات المسلمين ،
فضلة خيرك ، يامولانا ، من الحلاوة ،
تعيش ، وكل سنة وأنتم طيبين ، المهم طمني عليك ..
لو تعرف يامولانا ، النار اللي في قلبي ..
ليه بس كفى الله الشر ، سلامة قلبك يا حبيبي ، من إيه بس ؟!
من الحيرة ، نفسي يكون ليا دور محترم في الحياة ، حاسس إن ربنا أكرمني بمواهب ،
محتاجة اللي ينميها ويستغلها ، مش عايز أضيع عمري زي بابا ، بحجة الظروف ،
ماشاء الله عليك ، من يومك ذكي ولبق وشاطر ، ربنا يحميك ،
وماله ياحبيبي ، الطموح من شيم الأذكياء ،
المشكلة اني لما قربت من محيط المتدينين ، لقيته مخيف ..
لحى كثة ، ونفوس رثة ،  مناظر مهيبة ، وأفكار رتيبة ،
قامات عالية ، وثقافة متدنية ، الا من رحم الله ، وقليل ما هم ،
لاحول ولاقوة الا بالله ، وعليك من ده كله بإيه بس ياحمادة يابني ،
 مالك انت ومال العك ده ،
ماتبعد وتشوف مصلحتك ، وتنتبه لدراستك ، وناسك وحبايبك والدنيا حواليك ،
أخدمهم وادعيهم ، وطلع فيهم مواهبك ، زي ماانت عايز ، و أنت على طبيعتك الحلوة ،
وسيبك من الناس دول ، دول شيع وأحزاب ، كل بما لديهم فرحين ،
وانت مش هتسلك في وسطيهم ،
أمال ، أني عارفك ، طيب وعلى سجيتك ، والأخوة دول هيستغلوا مواهبك لخدمة أغراضهم ،
وأول ما هتعارضهم ، هيطلعوا فيك القطط الفاطسة ، ويقولوا ، ما رأينا منه خيرا قط !
مش عارف يامولانا ، عندي قناعة راسخة ،
بحتمية العمل من خلال جماعة ، فيد الله مع الجماعة ،
ده دي ، امال احنا ايه يا حمادة ، هما المسلمين اللي ماليين الجوامع دول مش جماعة ؟!
لا يا مولانا ، أنا أقصد جماعة منظمة ، تتحرك في الدنيا كلها ، لتعيد للعالم مجد الاسلام ،
من خلال منهجه الذي يجسد ، بشموله لكل نواحي الحياة ،
 حرية الإنسان وكرامته ، أمنه وسعادته ،
نفسي نقدم الإسلام للعالم ، من باب الحرية والعدل ، وليس من باب التسلط و القمع ،
من باب الإبداع والجمال والفن ، وليس من باب التزمت الخانق والتسلط والكبت ،
جبت الكلام منين ياحمادة ؟!
من الشيخ الغزالي ، كلامه بيسحرني ، تعرف ان أنا بسيب المذاكرة واقرا في كتبه ،
ودا كلام برضك ،
المهم ، الإخوان هما الجماعة الوحيدة المنظمة والعالمية والقوية وصاحبة الخبرة ،
على الساحة ، لكن لحد الآن مش شايف أمارة ،
 انهم مشغولين بحكاية الحرية والأبداع والفن دي ،
كلامهم كله ، وكتبهم ، غم وهم وسواد ، ونواح وتعذيب ، ومذابح ومؤامرات ،
وكمان فؤاد امبارح ، خلى الفار يلعب في عبي منهم ،
قال لك ايه فؤاد ،
للأسف كان متحامل عليهم جدا لحد الظلم ، كان ناقص يشبهم بالمافيا ، زعلني جدا ،
جالك كلامي ، الواد فؤاد ده أصله سوسة ودايس وقاري كويس ،
وبعدين هو سابقك للجامعة ، فمطلع أكتر منك ،
يعني ايه ، يعني انت موافقه على ان الإخوان تنظيم سري غامض ،
والظاهر منهم لايمثل الباطن بالضرورة ،
والله دي قناعتي ، اسمع اللي الشيخ زغبي بيقولك عليه ،
أنا عايشت دا كله قبل ما أنت تتولد ،
الشيخ حسن البنا كان بادئ بأفكار زي البرلنت ، هي عبارة عن امتداد لمن سبقوه ، وخصوصا الإمام محمد عبده ،
ولو كان كمل بأفكاره الوسطية دي ، كان وحد المسلمين ،
وحطهم على الطريق ، ونفخ فيهم الروح ،
يقوم يبوظ دا كله بحكاية التنظيم السري المسلح ،
اللي عمله مع العصبجي السهتان ، اللي اسمه عبدالرحمن السندي ده ،
قال إيه ، بحجة مقاومة الأنجليز فى القنال ، يقوم يبلي الأمة بالبلوة دي ،
ش وعليها ياحبيبي ،
مادام دخل سرطان العمل السري في جسم أي دعوة ، إبقى تعالى قابلنى إن برئت منه ،
وغطت ووطت ، جه سيد قطب ، كملها وخلى أفكار تنظيم الإخوان ،
 أخطر من قنابل تنظيم السندي ،
بالك الإخوان دول دلوقتي عبارة عن ايه ..
دماغ مقسومة نصين ، نص شغال بمكر وخبث وعسكرية عبد الرحمن السندي ،
والنص التاني شغال بتطرف ، ومبالغة أفكار سيد قطب ،
لكن كلام حسن البنا الجميل اللي انت قريته ومنبهر بيه ده ،
كان زمان أيام الخطب الفصيحة ، والناس المطربشين الطيبين ،
ومش هطول عليك ، علشان دراستك ، هختم لك بحاجة واحدة بس ،
مصطفى مشهور المنظر بتاعهم ده ،
بالله عليك اقرا تاريخه كويس ، هتلاقيه من عتاة العمل السري العنيف !
الشيخ زغبي ، ضاربا كفا بكف ، لاحول ولاقوة الا بالله ،
 طب بس قوم ، الحق مدرستك ، وربنا يهديك ، ونتكلم بعدين ،
ينصرف حمادة مكتويا بنيران الحيرة التى أججها الشيخ زغبي ، بعد أن أشعلها فؤاد !
الا انها لم تكن كافية لإثنائه عن عزمه على المضي نحو العمل لتحقيق ذاته ،
وخوض تجربة محاولة الوصول الى الحقيقة ،

يمضي إلي المدرسة لامعا ..
بملابسه الرمادية العسكرية التي تضوى من الغسيل والكي بالنشا ،
وحذائه الذي أبدع أخيه حسن في تلميعه ، بعد أن نفحه حمادة شلنا ،
ليجد زملائه في انتظاره ، لايقلون عنه لمعانا وتألقا ، فقد نبه عليهم بشدة ،
على ضرورة الظهور بأبهى صورة في حفل اليوم ،
لن يدخل أحد منهم فصله اليوم ، بعد أن استأذن لهم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
 من المدير ،
يبدأون اجتماعهم بالمسرح ، بينما يتسلل اليهم صوت أحمد عرجان يعلن في الإذاعة ..
موعدنا اليوم مع احتفال المدرسة ، والجماعة الإسلامية ،
 بذكرى ميلاد الرسول صلوات الله عليه ،
برعاية السيد الأستاذ محمد رشاد القليوبي ، مدير المدرسة ، وسيشرفنا بالحضور ،
فضيلة الدكتور الشيخ مسعود عطالله ، ليلقى محاضرة هامة بعنوان :
الشيعة ، مذاهبهم ، وموقف السنة منهم ،
وذلك عقب الحصة الرابعة باذن الله ، بمسرح المدرسة ..
يتحرك كل بنشاط ، للقيام بدوره الذي كلف به ،
يشرف هشام الأطروش على نظافة المسرح واضاءته وتجميله ،
فيصحب عم فتيحة الجنايني لتوزيع أصص الورد والزرع على جانبي المنصة ،
وفي مدخل وممرات المسرح ،
أبو نجلاء عامل الصيانة ، لمراجعة الإضاءة وضبط الميكروفون ،
بينما ينهمك عمال النظافة في الكنس والرش وتلميع المنصة والمقاعد ،
يميل الأطروش على حمادة ، هدي لكل واحد جنيه ، فيومأ له بالموافقة ،
على المنصة ينهمك عادل الزيني ، ومعه مجموعة من الزملاء ،
في تعليق لافتة تهنئة بالمولد وترحيب بالضيوف ،
كتب عليها موضوع المحاضرة بخط كبير وجميل ،
ووضع الزهور ولافتات تعريفية صغيرة كتبت بخط ، نادر جورج ، البديع ،
لتوضع أمام الجلوس على المنصة ، الى جانب نسخة من المجلة ..
يقف حمادة على المنصة ، فيرى زملائه من أعضاء الجماعة الإسلامية ،
يتناثرون في أنحاء المسرح ،
كورود في أناقتهم ، كنسائم في نظافتهم ، كنحل في دأبهم ، كفرسان في أدبهم ،
منهم من يوزعون نسخ المجلة على المقاعد ،
ومن يشبكون كروت التعريف على صدور زملائهم ،
ويراجعون مظهرهم ، ومن سيصطفون على مدخل المسرح ،
وجانبي المنصة كتشريفة للضيوف ،
ومن سيتولى توزيع العصائر والحلوى ، المهداة من ادارة المدرسة ..
فيتأمل مندهشا ، كيف أقام هو وزملائه هذا النشاط ،
في جو من اخلاص الأخوة والحب ، من هدوء النظام والتفاهم ،
دون حاجة الي سرية تنظيم ، ولا تسلط أوامر ،
ماذا لو جرت أمورنا بهذه البساطة والسلاسة ،
بهذا الوضوح وتلك الشفافية ، ودون استبعاد أحد ، أو الصدام مع احد ..

الله أكبر ، الله أكبر .. يالا ياحمادة ، الصلاة ،
حاضر ياأخ عادل .. جي ،
تقبل الله ، يا أخ احمد عرجان ، جهزت نفسك للتقديم ،
الحمد لله ، هستفتح بخواتيم سورة الفتح : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ..
عليه صلوات الله ،
وبعدين نشيد : يارسول الله ،هل يرضيك أنا ، أخوة فى الله للإسلام قمنا ..
وبعدين كلمة المدير ، وبعديها الشيخ على طول قبل ما الزملا يزهقوا ..
وبعد تعقيب الأستاذ اسماعيل حسونة ، نختم بنشيد تاني : يانبي ، سلام عليك ..
ممتاز على بركة الله ، هروح أشوف الأخ عادل ، علشان يروح يجيب الشيخ،
أصطف الحضور على المنصة ..
يتوسطهم الأستاذ  مدير المدرسة ، مربيا فاضلا شامخا في بذلته الداكنة ،
عن يمينه الدكتور الشيخ مسعود ، عالما مهيبا وقورا في ثيابه الأزهرية ،
ثم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
سار الحفل هادئا سلسا جميلا ، وأبدع الضيف في إفادة الحضور في مسألة الشيعة ،
فبدد حيرتهم ، وأشبع فضولهم ، بحديثه الموجز ،  وبأسلوبه العلمي المبسط ،
عن فرق الشيعة ، وأي الفرق منها أقرب الي السنة ،
ثم خص منها الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، التي قادت الثورة الأيرانية ،
بتفصيل أكثر فبين المعتدل منها والمتطرف ،
ليعقب الأستاذ اسماعيل حسونة مدرس التربية الدينيه ،
ويوجه الشكر لأبنائه من أعضاء الجماعة الأسلامية ،
ويختم أحمد عرجان بصوته العذب ، بنشيد ، يانبي سلام عليك ،
وسط ترديد الجميع ، وتصفيقهم ،
يصحب الأستاذ المدير ، ومعه بعض السادة الأساتذة ،
 فضيلة الدكتور الشيخ مسعود ، الي مكتبه بحفاوة ،
بينما ينهمك حمادة ، بمعانقة أخوانه ، وتهنئتهم على جهدهم المشرف المنظم ،
يبادره عادل الزيني .. خلاص من النهاردة مفيش نشاط تاني ، تفرغ تام للمذاكرة ،
فيؤمن الجميع على كلامه !
بالرغم من تحفظ حمادة في الظهور ، وامتناعه عن الكلام ما أمكنه ،
وحرصه على مشاركة أخوانه ودعمهم كجندي ، وان رأوه قائدا !
خوفا من مظنة الرياء والإستعراض ، والهيمنة على الجو ، التي حذره منها عادل الزيني ،
الا انه لايستطيع أن يقاوم شعورا غامرا بالغبطة والزهو ..
الغبطة ، أن أفاء الله عليه ووفقه ، لأن يسلك بداية الطريق الى دعوة الناس الي الخير ،
والأخذ بأيديهم الى ما ينفعهم، باخلاص وحب ،
والزهو ، أن أوفى بما عاهد عليه جده ، ساعة احتضاره ..
بأن يكون متدينا مستقيما ذكيا ، رجلا  ناجحا قويا ، له قيمة وكرامة  ،
يمضي في الطريق ، بنظرة جديدة ، للناس والأشياء من حوله ،
يشعر وكأنه أضحى مسئولا عن الجميع ،
عن الأخذ بيد المجتهد ، تنبيه الغافل ، تحفيز الخامل ،
ادخال السرور على كل قلب محزون ، مسح الأسى عن كل جبين مكلوم ..
يود لو يطير ، ليكون نسمة رحمة رطيبة ، ترف على وجوه أتعبتها الهاجرة ،
تحنو على قلوب أضناها الهم ، وأشقاها القلق ،
وشققها الظمأ الى الرحمة ، والتلهف على الحب !

السلام عليكم ، ازيك يانادية ، فين ماما ،
بتأكل الفراخ ، ونازلة ،
وحسن وسهام ،
جوه ،
ازيك يا سهام ، عاملة ايه في المدرسة ، الحمد لله ،
مبروك الإيشارب .. التزمي بيه على طول ، وحافظي على الصلاة ، علشان ربنا يوفقك ،
وانت ياض ياسونة ، انت فين ..
أنا اللي فين برضه ، هو حد بيشوفك يا سي حمادة ،
أيوه والنبي ياحسن ياابني ، قوله ، انت حد بيشوفك ،
ماما ، أنتي نزلتي ،
ايه ياحمادة ، وبعدهالك ، امتى هتشوف مذاكرتك ،
طب المحل وأستعوضت ربنا في مرواحك لعمك ، حتى الراجل عطلان وزعلان ،
تقوم تسيب مذاكرتك ، وتجري ورا الحفلات والعمايل دي ؟!
خلاص ياماما ، وعد ، من النهاردة لحد الإمتحانات ، مفيش غير المذاكرة ،
والله ما أصدقك ، أنا عارفاك ، لما تمشي في سكة ، مين يرجعك منها ؟!
لا أنا بتكلم جد ،
عايزني أصدقك ، تلم الكتب اللي انت مالي بيها الدنيا دي ، ومضيع عليها فلوسك ،
وتديهالي أقفل عليها الدولاب لحد ماتخلص ، وتبطل شرا كتب تاني ،
حاضر ،
هتتغدى ، ولا هتستنى بابا ،
طبعا نستناه كلنا ، على ما أبص على مذاكرة اخواتي وواجباتهم ،
روح ، قلبي وربي ، راضيين عليك ،
ماتحكي لنا ، ياحمادة ، على الحاجات اللي بتعملها في المدرسة ،
دا البنات في مدرستي مش مصدقين ان أنت اللي عملت المجلة الحلوة دي ،
ما عملتهاش لوحدي ياسهام ، أنا وزملائي ، تحت اشراف استاذ الدين ،
وايه الحفلة بتاع النهاردة ، الأطروش قابلني في الطابونة ،
وقالي انكم بدعتم ، صحيح يا حمادة ،
أبدا ياحسن ، احنا بنتعاون كزملاء اننا نعمل أنشطة وحاجات تفيد الناس ،
زي ايه ،
شوفي يانادية ، النهاردة احنا محتاجين نرجع لنبع الإسلام الصافي وننهل منه ،
علشان ننهض ونتقدم زي ما أجدادنا عملوا ،
والله ياحمادة ما أنا فاهم حاجة ،
أنا قاعد لكم ياحسن ، لحد الأمتحانات ، وكل يوم نفهم حتة صغيرة مع بعض .
سلام عليكم ، الأستاذ حمادة هنا ، ايه الحلاوة دي ، لينا حظ نتغدى سوا ،
ازيك يا بابا ، وحشتني والله ، ماتشوفش وحش يا ابني ، هيه عامل ايه ،
الحمد لله ،
يالا الغدا ياعنايات ، اصلي واقع من الجوع ،
ايوه ، حاضر جاهز ،
متعرفش طبخين ايه ياض ياسونة ،
حاجة جامدة جدا يابابا ،
قول ياض شوقتني ،
حسن ضاحكا يجري ، كشرررررري ،
والله ما أنا سايبك يا ابن الكلب ،
يخلو حمادة بكتبه ، ويشرد بفكره ..
فرؤيته لأمه تعاني في صمت ، من انقطاع جنيهاته القليلة التي يكسبها من المحل ، تعذبه ،
يكاد عقله يطير من التفكير في طريقة للتوفيق بين مذاكرته ،
وبين العودة الى المحل ليساعد أمه ،
كيف يحقق طموحه ، وأمنية أمه ، بأن يكون مهندسا ،
كمحسن شقيق سلوى ، وبين العمل من أجل مساعدتها ،
إلهي ، ياعالم بكل شيئ ، تعلم صدق نيتي في الدعوة الي الخير ،
وتطلع على امتلاء قلبي ، ببر أمي والوقوف الي جوارها ، ما استطعت ،
فاغفر لي ، واشرح صدري ، ووفقني لطاعتك ، وطاعة أمي وارضائها ،
يارب عوضني عن ما عانيت خيرا ووفقني يارب ، ولاتكلني الى نفسي طرفة عين ...
حمادة ،
أيوا ياحسن ،
خد ،
ايه ده ،
شريط سلوى قالت لي اديه لحمادة ..
يقلب الشريط مندهشا ،
استأذن من ماما في المسجل ياسونة ،
اتفضل ، ياسي حمادة ، وارحمني من طلباتك ، لو سمحت عندي مذاكرة ،
حاضر يا سونة بيه ،
يدس الشريك في الجهاز .. بتلوموني ليه ..
يقلب محولقا ، مكسوفة مكسوفة منك ..
يسكته مستغفرا ..
يدير ظهره للجهاز ، متمتما بغضب ، ليلتفت اليه فجأة .. الحمد لله ،
سلوى دي ، بنت حلال والله ، فعلا : عسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا !
ما تسجل ياواد ياحمادة ، الحاجات اللي عايزة حفظ ، على الشريط الهايف بتاع سلوى ده ،
وتكرره في المحل وانت شغال ، وبكده تضرب عصفورين بحجر ، تشتغل وتحفظ وتراجع ،
دا كمان ممكن تزود الأنتاج شوية ، وتحوش فلوس الزيادة مع مراة عمك ،
طب والله ممكن تعملك جمعية ، تقبضها على دخول الجامعة ،
أمال هتجيب فلوس للكلية منين ..
ان شاء الله ، بكرة بعد المدرسة ، أفوت على المحل ،
واروح اتغدى عند مراة عمي وأقولها ..
توكلنا على الله ، نبدأ ببركة اللغة العربية ، ونسجل واحنا شغالين ...
حمادة ، ياحمادة .. الفجر ياحبيبي ، ايه مش عوايدك ماتسمعش الشيخ ،
الحمد لله ، الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، واليه النشور ..
خلاص ياماما صحيت ، ماتصحي بابا يصلي ،
بابا ؟! ادعيله ياابني ، ادعيله ، دا راجع مالوش ساعة من على القهوة ،
 طب بس أعرف أصحيه للشغل ،
اتكل على الله ، انزل صلي وادعيله ،
لاحول ولا قوة الا بالله ،
أهلا حبيبي وقرة عيني ، المعلم جميل الصغير ،
 ايه الهنا اللي أنا فيه ده ياولاد ، يومين ورا بعض هتعبر حبيبك ياحمادة ،
تقبل الله يامولانا ، دا أنا اللي بيحصل لي البركة ،
هيه ، شايف في عينيك جديد ، أمال ، قلبك في عبي ،
 وحاسس بيه ، زي الوابور اللي مابيهديش أبدا ،
شفت يامولانا ، مش بولس ، اللي كان مرمطون في ورشة بابا ،
عنده ورشة كبيرة ، ماشاء الله ،
لأ وبيعمل قطع غيار وبيودي ليبيا !
وهيتجنن علشان المعلم حسين يشرف له على شغل قطع الغيار ،
ومراته بتقول مستعدين يدفعوا لبابا مية جنيه في الجمعة ،
نظير اشرافه على الشغل ساعتين آخر النهار كل يوم !
وطبعا أبوك رفض ،
وعرفت منين ؟!
أبوك دا ياابني ، أنا عاجنه وخابزه .. أنف ومتعب .. سيبك ، ربنا يهديه ،
 انما هي مرات بولس جت لكم البيت ؟!
لأ ، ماما قابلتها في عزا ، المقدسة ، حماة الدكتور بشاي ،
إخص عليا ، بالك آني لحد دلوقت ما عزتش الدكتور ،
ماتيجي ياحمادة معايا بعد العشا ، خمس دقايق نعزيه ، ينوبك ثواب ،
أهو أقله تبقى بدل أبوك ، اللي مش هيسأل ،
ان شاء الله ، لو صليت معاك العشا نروح ،
أستاذنك .. آه كنت عايز آخد رايك في حاجة تانية ..
بفكر أرجع المحل ،
ازاي ، ومذاكرتك ؟!
ربنا هداني لفكرة ، أني أسجل الدروس النظرية على شريط ، وأسمعه وأكرره وأنا شغال ،
وبكده أساعد ماما ، وكمان أعمل بالأجر الزيادة ، جمعية مع مراة عمي ،
تنفعني عند دخول الجامعة ، من غير ما أخسر مذاكرتي ،
ايه رايك يا مولانا ، أنا بقولك علشان تدعيلي ، ان ربنا ينور لي الطريق ،
ويوفقني ، ويعيني على ارضاء أمي !
يجهش الشيخ زغبي بالبكاء ، وينصرف الى غرفة مكتبه ، مرددا بصوت متهدج ،
روح ياابني روح ، الله يحنن عليك ، وينجح مقاصدك ،
روح ، اتوكل على الله ، وجاه محمد ، ربنا ماهيخيب رجاك أبدا يا غالي ،