Search This Blog

Thursday, February 23, 2012

العَصّارة - الحلقة الثانية عشرة

تعال يا أخ فؤاد ، جيت في وقتك ، نطلع من الدوشة دي علشان نعرف نتكلم ،
ينعطفان ليدلفا الى شارع الداير ، ومنه الى زقاق سيدي الوراق ،
نقعد هنا ، بحب أسند على حيطة سيدك الوراق ،
ياأخ فؤاد ، حضرتك كلمتني عن الإخوان وأبهرتني بفكرتهم ، وأنا ماكدبتش خبر ،
وجريت اشتريت الكتب وقريت ، واقتنعت ، ومن يومها وان بدور على الجماعة دول ،
ومش عارف أوصل لهم ، وكل ما أتوسم في حد انه منهم ، يطلع مالوش دعوة ،
انت رحت لمين ؟!
الأستاذ عبدالحفيظ المنياوي ، والأستاذ سعيد الدياسطي ،
ياابني ، دول ناس غلابة ، إنما الأخوان دول حاجة كده ، زي الكائنات الفضائية !
بقولك ايه ، يا اخ فؤاد ، الله يخليك ساعدني بجد ، علشان ورايا مذاكرة ،
ما انا بساعدك أهه ، وبقولك تاني ، انهم أشبه بالكائنات الفضائية ،
تلقى الواحد منهم ، فيرمقك بنظرة تقيمية فاحصة ، باعتبار انك هدف محتمل ،
نظرة متفحصة ، ملؤها النرجسية والشعور بالأهمية و احتكار الحقيقة ،
فقد سبقك الي الطريق الوحيد المؤدي الي الجنة ، من وجهة نظره ،
فطالما أنت خارج تلك الجماعة الربانية ، فأنت على خطر ،
وكم ستكون محظوظا ، لو وقع اختياره عليك ، لينتشلك من وسط العوام !
لا يا أستاذ فؤاد ، انت كدا متحامل جدا ، وماتزعلش مني ، صدمتني بجد ،
اسمعني للآخر ، وبعدين انت حر ،
ازاي اسمعك وانت بتقول الكلام ده ، على ناس دعاة الي الله ،
 بذلوا في سبيل دعوتهم الكثير ،
ماهي دي العلامة التانية ، هيكلمك عن المعتقل والتعذيب والمحنة ،
ومش بعيد يكشف لك ضهره لترى عليه أثر السياط ،
حتى تود لو تصنع له تمثالا ، تعال شوف جابر رزق وهو داير على الجامعات ،
 يردد ، بينما نحن خلف السوار ..
وهتروح بعيد ليه ، بالك الكتب اللي بتتكلم عن التعذيب ومذبحة ليمان طرة ،
خلت الأخوة بتوع الجماعة الأسلامية يترموا في حضن الإخوان ،
يعني طلعوا من المعتقل ، خدوها على الجاهز ، ودانت لهم بالسمع والطاعة !
أنا هتجنن ، يا أخ فؤاد ، لما أنت متعقد كده من الإخوان ، ليه دفعتني لطريقهم ،
بالعكس ، طب ياريت أعرف اجمع كل الولاد ،
 الموهوبين الأذكيا الشجعان اللي زيك ، من أنحاء مصر ،
وادخلهم جماعة الإخوان ، على الأقل يزيحوا سدنة الفكر التنظيمي ،
 المغرور ، المتعالي النرجسي !
طب ياللا بينا علشان ورايا مذاكرة ،وعندنا حفل مهم بكرة ، ياريت تيجي تشرفنا ،
نكمل كلامنا مرة تانية ، بس أوصيك تراجع نفسك في انطباعاتك الظالمة عن هؤلاء الأطهار !
يقترب حمادة من الباب ، ليتسلل الى سمعه ، صوت شجار حاد ، بين أبويه ،
فيدلف الي غرفته بهدوء ، ليرتمي على فراشه ، منصتا بألم ..
ياعنايات اخزي الشيطان مش كده ، هتسمعي بينا الناس علشان جبت علبة حلاوة ،
 دا جزائي اني عايز أفرح العيال ،
هو أنا لا كده عاجب ولا كده عاجب ، علشان لما أطفش من وشك ماترجعيش تعيطي ،
اتقي الله ياحسين وما تتلككش ، أنا ما بتكلمش على الحلاوة ،
ولا أكره لعيالي الفرح ، بس بالمعقول ،
مش تروح تضيع الفلوس على علبة حلاوة بالشيئ الفلاني ، تكفي جيش ،
 ونقضي بقية الأيام ناكل زلط ،
انت ناسي ان حمادة معدتش بيروح المحل ، والقرشين اللي كان بياخدهم ،
من شغله عند عمه انقطعوا ، بعدما كانوا بيسندوني ،
وهو مابيروحش المحل ليه ، أهو بدل تنطيطه في الجوامع ،
ياحسين حرام عليك ، أنت أيه .. معندكش قلب ،
خلاص اعتبرت شغل الواد بدالك عادي كده ،
هتقدر تشيل ذنبه لو سقط في الثانوية العامة ،
ولا صعبان عليك انه مايضيعش هو كمان ، زي ما كل حاجة ضاعت ،
أمال .. أصلك ماتعرفش القهر والمرار اللي نزلت بيهم فوق دماغه وكبدي بينشوى ،
علشان أثبته زي الوتد ، أشد عليه خيمتي ، واداري بيه خيبتي ،
لما الواد قلبه انكسر ياضنايا و شاخ  قبل الأوان ،
خيمتك ايه وخيبتك ايه ، انتي هتشعري ،
ما وراكيش الا الغم والنواح ، بتموتي في دور الضحية ،
ما تعيشي على أدك وترضي باللي بديهولك ، وتبطلي مجايب ، وعمايل ،
ما تبطل انت قاعدة القهوة والشيشة والسجاير ، واهتدي بالله وروح افتح ورشتك ،
على الأقل تفتح بيوت عمالك الغلابة اللي شردتهم ،
قلتك ميت مرة ماتجيبيليش سيرة الزفت الورشه ،
والا ورحمة أبويا أروح أولعلك فيها ، وفي نفسي وفي السوق كله ،
بتحلف برحمة أبوك ، ألف رحمة تنزل عليك يامعلم جميل ،
طب ياريتك كنت إتعلمت من أبوك ، ربع اللي إتعلمه إبنك منه ،
طب بلاش سيرة الورشة ، ما انا لسه مقابلة مراة بولس ،
امبارح ، في عزا المقدسة ، حماة الدكتور بشاي ،
ومحلفاني أيمان أكلمك توافق تِشرف بس إشراف على ورشة الأسطى بولس
 بعد ما أتوسع ،
ودلوقتي بيعمل قطع غيار وبيودي ليبيا ، بتقولي ،
بولس مستعد يدفع للمعلم حسين ،
مية جنيه في الجمعة ، بس يبص على الشغل ،
لا لا لا ، أنت أكيد أتجننتي ياعنايات ، وشكلي المرة دي هختفي من وشك الى الأبد ،
عايزياني أمد ايدي ، وآخد أجرة من واد كان صبي عندي ، حيا الله بيكنس قدام ورشتي ،
وماله ، مش أحسن من قاعدة الفقريين بتوع القهوة اللي جابولنا الفقر بعد العز ،
ساعتين تلاتة بعد المغربية تظبط للراجل شغله بخبرتك ،
 وانت معزز مكرم ، مش احنا اولى ،
انت أصلك مش داري بالدنيا ، الطاولة لحست مخك ،
وخلتك نسيت ان لك ابن داخل على جامعة ،
وبنات على وش جواز ، مش عايزين هم ما يتلم دول ؟!
خلاص قفلي على الموضوع ده ، أنا جايلي ترقية في الشركة ،
ورشحوني أنفذ تصميمات الخبرا الأمريكان اللي هيعملوا المشروع الجديد ،
ومرتبي هيضاعف ، اتلهي بأه واسكتي ، محسساني اني بقيت شحات ..
جاتك الهم وانتي فقر .. أنا هخفى من خلقتك ، واريحك مني ..
ينهض حمادة من فراشه ، متثاقلا ، يجتهد لإخفاء آثار دموعه ،
 يدخل على أمه ، وكأنه وصل للتو ،
لترمقه بنظرة ، تعرفه فيها أنها أحست به ، وتعرف أنه تابع شجارها مع أبيه ،

ماشاء الله ، ايه الحلاوة دي كلها ، يابركة مولد الحبيب النبي ،
اللهم صلي عليك بانبي ، كنت فين ياحمادة من ساعتها ، وسايب مذاكرتك ؟!
حالا داخل أذاكر ، امال بابا فين ؟!
انت تايه عنه ، جاب حلاوة المولد ، وجرى على حريمه .. القهوة والطاولة ،
واخواتك نامو ، واديني قاعدة وشي في الحيط ، على ما حضرتك تشرف ،
 علشان أعشيك ،
ربنا يخليكي ياماما ، جهزي لي نايب الشيخ زغبي من الحلاوة ، آخده معايا في صلاة الفجر ،
ينهي حمادة صلاته ، ليندفع بشوق إلى الشيخ زغبي ، مولانا الحبيب ،
 كل عام وانت طيب ،
اللهم صلي على صاحب الذكرى ، بالله عليك ياحمادة ده كلام ،
إيه بس يا غالي ،
كل يوم تصلي وتفط ، ملحقش حتى أسلم عليك ، والله واحشني ،
 ياجميل ياحبيب الجميل ، الله يرحمه ،
ألف رحمة عليك يا جدي ، وعلى أموات المسلمين ،
فضلة خيرك ، يامولانا ، من الحلاوة ،
تعيش ، وكل سنة وأنتم طيبين ، المهم طمني عليك ..
لو تعرف يامولانا ، النار اللي في قلبي ..
ليه بس كفى الله الشر ، سلامة قلبك يا حبيبي ، من إيه بس ؟!
من الحيرة ، نفسي يكون ليا دور محترم في الحياة ، حاسس إن ربنا أكرمني بمواهب ،
محتاجة اللي ينميها ويستغلها ، مش عايز أضيع عمري زي بابا ، بحجة الظروف ،
ماشاء الله عليك ، من يومك ذكي ولبق وشاطر ، ربنا يحميك ،
وماله ياحبيبي ، الطموح من شيم الأذكياء ،
المشكلة اني لما قربت من محيط المتدينين ، لقيته مخيف ..
لحى كثة ، ونفوس رثة ،  مناظر مهيبة ، وأفكار رتيبة ،
قامات عالية ، وثقافة متدنية ، الا من رحم الله ، وقليل ما هم ،
لاحول ولاقوة الا بالله ، وعليك من ده كله بإيه بس ياحمادة يابني ،
 مالك انت ومال العك ده ،
ماتبعد وتشوف مصلحتك ، وتنتبه لدراستك ، وناسك وحبايبك والدنيا حواليك ،
أخدمهم وادعيهم ، وطلع فيهم مواهبك ، زي ماانت عايز ، و أنت على طبيعتك الحلوة ،
وسيبك من الناس دول ، دول شيع وأحزاب ، كل بما لديهم فرحين ،
وانت مش هتسلك في وسطيهم ،
أمال ، أني عارفك ، طيب وعلى سجيتك ، والأخوة دول هيستغلوا مواهبك لخدمة أغراضهم ،
وأول ما هتعارضهم ، هيطلعوا فيك القطط الفاطسة ، ويقولوا ، ما رأينا منه خيرا قط !
مش عارف يامولانا ، عندي قناعة راسخة ،
بحتمية العمل من خلال جماعة ، فيد الله مع الجماعة ،
ده دي ، امال احنا ايه يا حمادة ، هما المسلمين اللي ماليين الجوامع دول مش جماعة ؟!
لا يا مولانا ، أنا أقصد جماعة منظمة ، تتحرك في الدنيا كلها ، لتعيد للعالم مجد الاسلام ،
من خلال منهجه الذي يجسد ، بشموله لكل نواحي الحياة ،
 حرية الإنسان وكرامته ، أمنه وسعادته ،
نفسي نقدم الإسلام للعالم ، من باب الحرية والعدل ، وليس من باب التسلط و القمع ،
من باب الإبداع والجمال والفن ، وليس من باب التزمت الخانق والتسلط والكبت ،
جبت الكلام منين ياحمادة ؟!
من الشيخ الغزالي ، كلامه بيسحرني ، تعرف ان أنا بسيب المذاكرة واقرا في كتبه ،
ودا كلام برضك ،
المهم ، الإخوان هما الجماعة الوحيدة المنظمة والعالمية والقوية وصاحبة الخبرة ،
على الساحة ، لكن لحد الآن مش شايف أمارة ،
 انهم مشغولين بحكاية الحرية والأبداع والفن دي ،
كلامهم كله ، وكتبهم ، غم وهم وسواد ، ونواح وتعذيب ، ومذابح ومؤامرات ،
وكمان فؤاد امبارح ، خلى الفار يلعب في عبي منهم ،
قال لك ايه فؤاد ،
للأسف كان متحامل عليهم جدا لحد الظلم ، كان ناقص يشبهم بالمافيا ، زعلني جدا ،
جالك كلامي ، الواد فؤاد ده أصله سوسة ودايس وقاري كويس ،
وبعدين هو سابقك للجامعة ، فمطلع أكتر منك ،
يعني ايه ، يعني انت موافقه على ان الإخوان تنظيم سري غامض ،
والظاهر منهم لايمثل الباطن بالضرورة ،
والله دي قناعتي ، اسمع اللي الشيخ زغبي بيقولك عليه ،
أنا عايشت دا كله قبل ما أنت تتولد ،
الشيخ حسن البنا كان بادئ بأفكار زي البرلنت ، هي عبارة عن امتداد لمن سبقوه ، وخصوصا الإمام محمد عبده ،
ولو كان كمل بأفكاره الوسطية دي ، كان وحد المسلمين ،
وحطهم على الطريق ، ونفخ فيهم الروح ،
يقوم يبوظ دا كله بحكاية التنظيم السري المسلح ،
اللي عمله مع العصبجي السهتان ، اللي اسمه عبدالرحمن السندي ده ،
قال إيه ، بحجة مقاومة الأنجليز فى القنال ، يقوم يبلي الأمة بالبلوة دي ،
ش وعليها ياحبيبي ،
مادام دخل سرطان العمل السري في جسم أي دعوة ، إبقى تعالى قابلنى إن برئت منه ،
وغطت ووطت ، جه سيد قطب ، كملها وخلى أفكار تنظيم الإخوان ،
 أخطر من قنابل تنظيم السندي ،
بالك الإخوان دول دلوقتي عبارة عن ايه ..
دماغ مقسومة نصين ، نص شغال بمكر وخبث وعسكرية عبد الرحمن السندي ،
والنص التاني شغال بتطرف ، ومبالغة أفكار سيد قطب ،
لكن كلام حسن البنا الجميل اللي انت قريته ومنبهر بيه ده ،
كان زمان أيام الخطب الفصيحة ، والناس المطربشين الطيبين ،
ومش هطول عليك ، علشان دراستك ، هختم لك بحاجة واحدة بس ،
مصطفى مشهور المنظر بتاعهم ده ،
بالله عليك اقرا تاريخه كويس ، هتلاقيه من عتاة العمل السري العنيف !
الشيخ زغبي ، ضاربا كفا بكف ، لاحول ولاقوة الا بالله ،
 طب بس قوم ، الحق مدرستك ، وربنا يهديك ، ونتكلم بعدين ،
ينصرف حمادة مكتويا بنيران الحيرة التى أججها الشيخ زغبي ، بعد أن أشعلها فؤاد !
الا انها لم تكن كافية لإثنائه عن عزمه على المضي نحو العمل لتحقيق ذاته ،
وخوض تجربة محاولة الوصول الى الحقيقة ،

يمضي إلي المدرسة لامعا ..
بملابسه الرمادية العسكرية التي تضوى من الغسيل والكي بالنشا ،
وحذائه الذي أبدع أخيه حسن في تلميعه ، بعد أن نفحه حمادة شلنا ،
ليجد زملائه في انتظاره ، لايقلون عنه لمعانا وتألقا ، فقد نبه عليهم بشدة ،
على ضرورة الظهور بأبهى صورة في حفل اليوم ،
لن يدخل أحد منهم فصله اليوم ، بعد أن استأذن لهم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
 من المدير ،
يبدأون اجتماعهم بالمسرح ، بينما يتسلل اليهم صوت أحمد عرجان يعلن في الإذاعة ..
موعدنا اليوم مع احتفال المدرسة ، والجماعة الإسلامية ،
 بذكرى ميلاد الرسول صلوات الله عليه ،
برعاية السيد الأستاذ محمد رشاد القليوبي ، مدير المدرسة ، وسيشرفنا بالحضور ،
فضيلة الدكتور الشيخ مسعود عطالله ، ليلقى محاضرة هامة بعنوان :
الشيعة ، مذاهبهم ، وموقف السنة منهم ،
وذلك عقب الحصة الرابعة باذن الله ، بمسرح المدرسة ..
يتحرك كل بنشاط ، للقيام بدوره الذي كلف به ،
يشرف هشام الأطروش على نظافة المسرح واضاءته وتجميله ،
فيصحب عم فتيحة الجنايني لتوزيع أصص الورد والزرع على جانبي المنصة ،
وفي مدخل وممرات المسرح ،
أبو نجلاء عامل الصيانة ، لمراجعة الإضاءة وضبط الميكروفون ،
بينما ينهمك عمال النظافة في الكنس والرش وتلميع المنصة والمقاعد ،
يميل الأطروش على حمادة ، هدي لكل واحد جنيه ، فيومأ له بالموافقة ،
على المنصة ينهمك عادل الزيني ، ومعه مجموعة من الزملاء ،
في تعليق لافتة تهنئة بالمولد وترحيب بالضيوف ،
كتب عليها موضوع المحاضرة بخط كبير وجميل ،
ووضع الزهور ولافتات تعريفية صغيرة كتبت بخط ، نادر جورج ، البديع ،
لتوضع أمام الجلوس على المنصة ، الى جانب نسخة من المجلة ..
يقف حمادة على المنصة ، فيرى زملائه من أعضاء الجماعة الإسلامية ،
يتناثرون في أنحاء المسرح ،
كورود في أناقتهم ، كنسائم في نظافتهم ، كنحل في دأبهم ، كفرسان في أدبهم ،
منهم من يوزعون نسخ المجلة على المقاعد ،
ومن يشبكون كروت التعريف على صدور زملائهم ،
ويراجعون مظهرهم ، ومن سيصطفون على مدخل المسرح ،
وجانبي المنصة كتشريفة للضيوف ،
ومن سيتولى توزيع العصائر والحلوى ، المهداة من ادارة المدرسة ..
فيتأمل مندهشا ، كيف أقام هو وزملائه هذا النشاط ،
في جو من اخلاص الأخوة والحب ، من هدوء النظام والتفاهم ،
دون حاجة الي سرية تنظيم ، ولا تسلط أوامر ،
ماذا لو جرت أمورنا بهذه البساطة والسلاسة ،
بهذا الوضوح وتلك الشفافية ، ودون استبعاد أحد ، أو الصدام مع احد ..

الله أكبر ، الله أكبر .. يالا ياحمادة ، الصلاة ،
حاضر ياأخ عادل .. جي ،
تقبل الله ، يا أخ احمد عرجان ، جهزت نفسك للتقديم ،
الحمد لله ، هستفتح بخواتيم سورة الفتح : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ..
عليه صلوات الله ،
وبعدين نشيد : يارسول الله ،هل يرضيك أنا ، أخوة فى الله للإسلام قمنا ..
وبعدين كلمة المدير ، وبعديها الشيخ على طول قبل ما الزملا يزهقوا ..
وبعد تعقيب الأستاذ اسماعيل حسونة ، نختم بنشيد تاني : يانبي ، سلام عليك ..
ممتاز على بركة الله ، هروح أشوف الأخ عادل ، علشان يروح يجيب الشيخ،
أصطف الحضور على المنصة ..
يتوسطهم الأستاذ  مدير المدرسة ، مربيا فاضلا شامخا في بذلته الداكنة ،
عن يمينه الدكتور الشيخ مسعود ، عالما مهيبا وقورا في ثيابه الأزهرية ،
ثم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
سار الحفل هادئا سلسا جميلا ، وأبدع الضيف في إفادة الحضور في مسألة الشيعة ،
فبدد حيرتهم ، وأشبع فضولهم ، بحديثه الموجز ،  وبأسلوبه العلمي المبسط ،
عن فرق الشيعة ، وأي الفرق منها أقرب الي السنة ،
ثم خص منها الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، التي قادت الثورة الأيرانية ،
بتفصيل أكثر فبين المعتدل منها والمتطرف ،
ليعقب الأستاذ اسماعيل حسونة مدرس التربية الدينيه ،
ويوجه الشكر لأبنائه من أعضاء الجماعة الأسلامية ،
ويختم أحمد عرجان بصوته العذب ، بنشيد ، يانبي سلام عليك ،
وسط ترديد الجميع ، وتصفيقهم ،
يصحب الأستاذ المدير ، ومعه بعض السادة الأساتذة ،
 فضيلة الدكتور الشيخ مسعود ، الي مكتبه بحفاوة ،
بينما ينهمك حمادة ، بمعانقة أخوانه ، وتهنئتهم على جهدهم المشرف المنظم ،
يبادره عادل الزيني .. خلاص من النهاردة مفيش نشاط تاني ، تفرغ تام للمذاكرة ،
فيؤمن الجميع على كلامه !
بالرغم من تحفظ حمادة في الظهور ، وامتناعه عن الكلام ما أمكنه ،
وحرصه على مشاركة أخوانه ودعمهم كجندي ، وان رأوه قائدا !
خوفا من مظنة الرياء والإستعراض ، والهيمنة على الجو ، التي حذره منها عادل الزيني ،
الا انه لايستطيع أن يقاوم شعورا غامرا بالغبطة والزهو ..
الغبطة ، أن أفاء الله عليه ووفقه ، لأن يسلك بداية الطريق الى دعوة الناس الي الخير ،
والأخذ بأيديهم الى ما ينفعهم، باخلاص وحب ،
والزهو ، أن أوفى بما عاهد عليه جده ، ساعة احتضاره ..
بأن يكون متدينا مستقيما ذكيا ، رجلا  ناجحا قويا ، له قيمة وكرامة  ،
يمضي في الطريق ، بنظرة جديدة ، للناس والأشياء من حوله ،
يشعر وكأنه أضحى مسئولا عن الجميع ،
عن الأخذ بيد المجتهد ، تنبيه الغافل ، تحفيز الخامل ،
ادخال السرور على كل قلب محزون ، مسح الأسى عن كل جبين مكلوم ..
يود لو يطير ، ليكون نسمة رحمة رطيبة ، ترف على وجوه أتعبتها الهاجرة ،
تحنو على قلوب أضناها الهم ، وأشقاها القلق ،
وشققها الظمأ الى الرحمة ، والتلهف على الحب !

السلام عليكم ، ازيك يانادية ، فين ماما ،
بتأكل الفراخ ، ونازلة ،
وحسن وسهام ،
جوه ،
ازيك يا سهام ، عاملة ايه في المدرسة ، الحمد لله ،
مبروك الإيشارب .. التزمي بيه على طول ، وحافظي على الصلاة ، علشان ربنا يوفقك ،
وانت ياض ياسونة ، انت فين ..
أنا اللي فين برضه ، هو حد بيشوفك يا سي حمادة ،
أيوه والنبي ياحسن ياابني ، قوله ، انت حد بيشوفك ،
ماما ، أنتي نزلتي ،
ايه ياحمادة ، وبعدهالك ، امتى هتشوف مذاكرتك ،
طب المحل وأستعوضت ربنا في مرواحك لعمك ، حتى الراجل عطلان وزعلان ،
تقوم تسيب مذاكرتك ، وتجري ورا الحفلات والعمايل دي ؟!
خلاص ياماما ، وعد ، من النهاردة لحد الإمتحانات ، مفيش غير المذاكرة ،
والله ما أصدقك ، أنا عارفاك ، لما تمشي في سكة ، مين يرجعك منها ؟!
لا أنا بتكلم جد ،
عايزني أصدقك ، تلم الكتب اللي انت مالي بيها الدنيا دي ، ومضيع عليها فلوسك ،
وتديهالي أقفل عليها الدولاب لحد ماتخلص ، وتبطل شرا كتب تاني ،
حاضر ،
هتتغدى ، ولا هتستنى بابا ،
طبعا نستناه كلنا ، على ما أبص على مذاكرة اخواتي وواجباتهم ،
روح ، قلبي وربي ، راضيين عليك ،
ماتحكي لنا ، ياحمادة ، على الحاجات اللي بتعملها في المدرسة ،
دا البنات في مدرستي مش مصدقين ان أنت اللي عملت المجلة الحلوة دي ،
ما عملتهاش لوحدي ياسهام ، أنا وزملائي ، تحت اشراف استاذ الدين ،
وايه الحفلة بتاع النهاردة ، الأطروش قابلني في الطابونة ،
وقالي انكم بدعتم ، صحيح يا حمادة ،
أبدا ياحسن ، احنا بنتعاون كزملاء اننا نعمل أنشطة وحاجات تفيد الناس ،
زي ايه ،
شوفي يانادية ، النهاردة احنا محتاجين نرجع لنبع الإسلام الصافي وننهل منه ،
علشان ننهض ونتقدم زي ما أجدادنا عملوا ،
والله ياحمادة ما أنا فاهم حاجة ،
أنا قاعد لكم ياحسن ، لحد الأمتحانات ، وكل يوم نفهم حتة صغيرة مع بعض .
سلام عليكم ، الأستاذ حمادة هنا ، ايه الحلاوة دي ، لينا حظ نتغدى سوا ،
ازيك يا بابا ، وحشتني والله ، ماتشوفش وحش يا ابني ، هيه عامل ايه ،
الحمد لله ،
يالا الغدا ياعنايات ، اصلي واقع من الجوع ،
ايوه ، حاضر جاهز ،
متعرفش طبخين ايه ياض ياسونة ،
حاجة جامدة جدا يابابا ،
قول ياض شوقتني ،
حسن ضاحكا يجري ، كشرررررري ،
والله ما أنا سايبك يا ابن الكلب ،
يخلو حمادة بكتبه ، ويشرد بفكره ..
فرؤيته لأمه تعاني في صمت ، من انقطاع جنيهاته القليلة التي يكسبها من المحل ، تعذبه ،
يكاد عقله يطير من التفكير في طريقة للتوفيق بين مذاكرته ،
وبين العودة الى المحل ليساعد أمه ،
كيف يحقق طموحه ، وأمنية أمه ، بأن يكون مهندسا ،
كمحسن شقيق سلوى ، وبين العمل من أجل مساعدتها ،
إلهي ، ياعالم بكل شيئ ، تعلم صدق نيتي في الدعوة الي الخير ،
وتطلع على امتلاء قلبي ، ببر أمي والوقوف الي جوارها ، ما استطعت ،
فاغفر لي ، واشرح صدري ، ووفقني لطاعتك ، وطاعة أمي وارضائها ،
يارب عوضني عن ما عانيت خيرا ووفقني يارب ، ولاتكلني الى نفسي طرفة عين ...
حمادة ،
أيوا ياحسن ،
خد ،
ايه ده ،
شريط سلوى قالت لي اديه لحمادة ..
يقلب الشريط مندهشا ،
استأذن من ماما في المسجل ياسونة ،
اتفضل ، ياسي حمادة ، وارحمني من طلباتك ، لو سمحت عندي مذاكرة ،
حاضر يا سونة بيه ،
يدس الشريك في الجهاز .. بتلوموني ليه ..
يقلب محولقا ، مكسوفة مكسوفة منك ..
يسكته مستغفرا ..
يدير ظهره للجهاز ، متمتما بغضب ، ليلتفت اليه فجأة .. الحمد لله ،
سلوى دي ، بنت حلال والله ، فعلا : عسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا !
ما تسجل ياواد ياحمادة ، الحاجات اللي عايزة حفظ ، على الشريط الهايف بتاع سلوى ده ،
وتكرره في المحل وانت شغال ، وبكده تضرب عصفورين بحجر ، تشتغل وتحفظ وتراجع ،
دا كمان ممكن تزود الأنتاج شوية ، وتحوش فلوس الزيادة مع مراة عمك ،
طب والله ممكن تعملك جمعية ، تقبضها على دخول الجامعة ،
أمال هتجيب فلوس للكلية منين ..
ان شاء الله ، بكرة بعد المدرسة ، أفوت على المحل ،
واروح اتغدى عند مراة عمي وأقولها ..
توكلنا على الله ، نبدأ ببركة اللغة العربية ، ونسجل واحنا شغالين ...
حمادة ، ياحمادة .. الفجر ياحبيبي ، ايه مش عوايدك ماتسمعش الشيخ ،
الحمد لله ، الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، واليه النشور ..
خلاص ياماما صحيت ، ماتصحي بابا يصلي ،
بابا ؟! ادعيله ياابني ، ادعيله ، دا راجع مالوش ساعة من على القهوة ،
 طب بس أعرف أصحيه للشغل ،
اتكل على الله ، انزل صلي وادعيله ،
لاحول ولا قوة الا بالله ،
أهلا حبيبي وقرة عيني ، المعلم جميل الصغير ،
 ايه الهنا اللي أنا فيه ده ياولاد ، يومين ورا بعض هتعبر حبيبك ياحمادة ،
تقبل الله يامولانا ، دا أنا اللي بيحصل لي البركة ،
هيه ، شايف في عينيك جديد ، أمال ، قلبك في عبي ،
 وحاسس بيه ، زي الوابور اللي مابيهديش أبدا ،
شفت يامولانا ، مش بولس ، اللي كان مرمطون في ورشة بابا ،
عنده ورشة كبيرة ، ماشاء الله ،
لأ وبيعمل قطع غيار وبيودي ليبيا !
وهيتجنن علشان المعلم حسين يشرف له على شغل قطع الغيار ،
ومراته بتقول مستعدين يدفعوا لبابا مية جنيه في الجمعة ،
نظير اشرافه على الشغل ساعتين آخر النهار كل يوم !
وطبعا أبوك رفض ،
وعرفت منين ؟!
أبوك دا ياابني ، أنا عاجنه وخابزه .. أنف ومتعب .. سيبك ، ربنا يهديه ،
 انما هي مرات بولس جت لكم البيت ؟!
لأ ، ماما قابلتها في عزا ، المقدسة ، حماة الدكتور بشاي ،
إخص عليا ، بالك آني لحد دلوقت ما عزتش الدكتور ،
ماتيجي ياحمادة معايا بعد العشا ، خمس دقايق نعزيه ، ينوبك ثواب ،
أهو أقله تبقى بدل أبوك ، اللي مش هيسأل ،
ان شاء الله ، لو صليت معاك العشا نروح ،
أستاذنك .. آه كنت عايز آخد رايك في حاجة تانية ..
بفكر أرجع المحل ،
ازاي ، ومذاكرتك ؟!
ربنا هداني لفكرة ، أني أسجل الدروس النظرية على شريط ، وأسمعه وأكرره وأنا شغال ،
وبكده أساعد ماما ، وكمان أعمل بالأجر الزيادة ، جمعية مع مراة عمي ،
تنفعني عند دخول الجامعة ، من غير ما أخسر مذاكرتي ،
ايه رايك يا مولانا ، أنا بقولك علشان تدعيلي ، ان ربنا ينور لي الطريق ،
ويوفقني ، ويعيني على ارضاء أمي !
يجهش الشيخ زغبي بالبكاء ، وينصرف الى غرفة مكتبه ، مرددا بصوت متهدج ،
روح ياابني روح ، الله يحنن عليك ، وينجح مقاصدك ،
روح ، اتوكل على الله ، وجاه محمد ، ربنا ماهيخيب رجاك أبدا يا غالي ،

No comments:

Post a Comment