Search This Blog

Wednesday, December 26, 2012

مُسْعَد هريسه

ما من بقالة بالحى ، إن لم يكن بالمدينة ، بل بوجه بحرى كله  ، صغرت أم كبرت ، إلا ويتصدرها صاج هريسة مسعد ، الطرية اللذيذة ، متوردة الوجه ، المرصعة بحبات الفول السوداني ، تفوح منها رائحة ماء الورد ، تنعش قلب الفقير وتسكت بكاء الصغير !
هكذا أرادها وخطط لها حتى أضحت فاكهة الغلابة ، هذا الرجل المتين الربعة ، الذى يبدو وكأنه نصف شاب ونصف كهل ..
بدأ مشواره فى جلباب أبيض زاه ، يعلوه ، صيفا وشتاءا ، معطف رمادي تختفى فيه لحيته الرمادية الطويلة الكثه التى تكاد تصل إلى صدره ، وعصابة بيضاء ناصعة يشد بها رأسه و يلم بها شعره الوافر ، ودراجة قديمة صدئة ، مزودة بصندوق خشبي كبير ، لم ير قط إلا وهو يمتطيها .. كما لم يرى قط إلا بوجه بشوش طيب ، مشرب بالحمرة ، تزينه أسنان مصفوفة بيضاء ، تكشف عنها إبتسامة لاتنطفئ ..
 كثير الصمت ، خفيض الصوت ، دؤوب ، خجول ، لايبتعد بناظريه عن الأرض !
إنه مسعد السخاوي أو مسعد هريسة ، كما يحلو لأهل الحى أن ينادونه ، لإرتباط إسمه بهذا الإختراع العجيب الذى لم يسبقه إليه أحد !
منذ أن قابل أبوه رب كريم ، ليجد نفسه ، ولم يكن تجاوز المرحلة الإعدادية بعد ، فى مواجهة أمه وأربع أخوات يصغرنه ، تتعلق به أنظارهن ، فليس لهن ، بعد الله ومعاش هزيل ، سواه .. فقد كان أبوه وحيدا على بنات مثله !
فيخلع ثياب المدرسة ، ويلبس ثياب المعركة  .. لتتقاذفه أرجل الأيام ، يعلو ظهور خيول الأقدار مرة ، وتدهسه سنابكها مرات ، بينما تلسعه سياط تلهف أمه على ستر البنات الولايا ، اللائى ينبئ جمالهن وأدبهن بقرب طرق الباب وتهافت الخطاب !
رجولته المبكرة البادية فى عنفوان جسده ومتانة بنيانه ساعدته على الصبر والجلد و تحمل المشاق ..
منذ أن بدأ بمصبغة الحاج مكى ، ليظل من الفجر إلى المغرب يعصر لفافات الخيط الكبيرة الثقيلة فلا يبقى بها قطرة ماء ، حتى قوى ذراعاه وبرزت عضلاته ..
مرورا بمطحن الشعراوى الذى كادت أجولة القمح والذرة والدقيق فيه ، أن تكسر ظهره ..
وإنتهاءا بالعمل على مقطورات الشربيني للنقل الثقيل التى تنقل الأخشاب والغلال والأسمنت والحديد وسائر البضائع من ميناء الإسكندرية إلى أنحاء القطر ..
وهذه بالبرغم من طول مكثه بها ، قرابة سنوات عشر ، ونجاحه فيها حتى صار ريسا يشرف على خطوط السير والصيانة والعمال ،  ويكسب منها مالا جيدا ، زف منه أول عروس من أخواته، ويكتسب خبرة قيمة فى الكار وفى دنيا الناس من خلال تجواله فى بر مصر كلها ..   إلا أن خطورة تلك المهنة ومشاقها ، وإبعادها له عن أمه وأخواته أياما وليال ، فضلا عن غلبة المشى البطال الذى لايروقه ولايوافق طبعه ، على معظم العاملين بها ، وشيوع تعاطى الحشيش والمخدرات والساقطات بينهم ..  كل ذلك دفعه لأن يفكر ليل نهار فى عمل خاص به يحقق أهدافه ويعصمه من الزلل والإنحدار إلى هذا الدرك الأسفل !
ظل مهموما يفكر ، يتأمل حاله وهو يقف على مشارف الثلاثين ، إبتعد عن المدرسة مسيرة خمسة عشر سنة حتى غاب غبارها واختفت معالمها ، واقترب من أن يزف العروس الثانية من أخواته .. يشعر أنه  كبر بسرعة وكبرت معه لحيته التى آل على نفسه ألا يأخذ منها شيئا حتى ينهى مهمته بستر من بقين من البنات ، لاسيما بعدما أكتشف أن لحيته الرمادية الكثة تكسبه مظهر شيخ ناسك وقور ، يبعد عنه إلحاح زملاء المهنة الحشاشين على المنادمة ، ويصرف عنه سوء غواية جارات الوحدة والحرمان ، المتلهفات على المخادنة !

بينما هو غارق فى محيط أفكاره إذا بسائق المقطورة يستأذنه فى أن يعرج على طنطا ليشترى لأولاده هريسة ،  كعادة معظم الغادين والرائحين على طرق طنطا ودسوق وفوة ، يزورون الأولياء ويظفرون بالحلوى .. لابأس ، آخذ لأمى وللبنات حاجة حلوة بدلا من الدخول بيدين عاريتين !
يخترق به السائق شوارعا حول السيد البدوي ، ويدلف من أزقة ، وينعطف إلى حارات ، حتى ظنه سيشترى حشيشا أو ممنوعات ! فإذا بهما قبالة دكان صغير نظيف ، تفوح منه رائحة السمن البلدى و ماء الورد .. بإبتسامة ترحاب وكرم ، من بائع قصير أنيق ، مد إيدك يامولانا ، دوق ، بسم الله ..
الله ، ذابت الهريسه فى فم مسعد فجعلته مسعدا أكثر !
فتح العلبة بين يدى أمه والبنات :
الله ، حلوة أوى يامسعد .. تتذوق الأم وتشم :
الله ، كل حاجة فيها مظبوطة ، جبتها منين دى ؟!
ليسرح منها مع الفكرة التى لمعت فى رأسه ، وملكت عليه كيانه طوال طريق عودته .. أن يصنع الهريسة ، ويوزعها على الدكاكين فى الشوارع والأزقة والحوارى ، لتكون فى متناول الكبير والصغير ، الغنى والفقير ..

لم ينم ليلته ، ولم يدع الليل يفلت ، حتى انتهى من رسم مشروعه .. فانسلخ مع النهار ليغذ السير إلى دكان الهريسة بطنطا ويظل به طوال النهار ، كل ساعة يشترى قطعة ويلتقط معلومة عن الصنعة ..
حتى كان اليوم الذى يليه إذ طلع مع الفجر ميمما وجهه شطر فوة ، فدسوق ، فالإسكندرية .. يتتبع أسرار الصنعة وفنونها ..
حتى انتهى به سعيه وفضوله على كرسي بجوار المعلم دسوقى صاحب الفرن الكبير ، الذى يزيد من صهد الفرن بالحيز الضخم الذى يشغله رأسه الكبير وكرشه المنطادي ، ووهج فحم الشيشة التى لايكف عن تقاسم أنفاسها مع الأستاذ رامى المحامي جليسه الدائم فى سحابة الدخان الكثيف ، ونديمه المقرب فى أنغام الكركرة ..
مرحبان فى نفس واحد : حمد لله على السلامة ، إنت فين ياابني ، ربنا مش هيتوب عليك من التنطيط فى بلاد الله خلق الله ..
الحمد لله يامعلم ، سبقتنى والله ، ماهو دا الموضوع اللى كنت عايزك فيه ..
خير يا راجل يا طيب ، دا أنت تؤمر ..
كنت بفكر ، لو ماعندكش مانع يعنى ، لو آخد حتة أرضية فى الصالة جوه ، اعمل فيها سبوبة واكلة دماغى حبتين
سبوبة ! هنا عندى فى الفرن ! لاهو أنت هتسيب المقاطير وتعجن يامسعد ياابنى ؟!
ماتخافش عليا يامعلم ، دى سبوبة فيها البركة إن شاء الله ، وأهو تبعدنى عن الركش بتوع النقل وتكفيني شر طريقهم ، ومانتاش غريب ، أبطل غياب عن أمى والبنات
مقلناش حاجة ، بس السبوبة دى عبارة عن إيه ، ماتحضرنا يا أستاذ رامي ..
أيوا صحيح هتعمل إيه فى الفرن يامسعد ؟!
هريسة .. هعمل هريسة بمواصفات خاصة يا أستاذ رامي وأوزعها على الدكاكين ..
هريسة ! مواصفات خاصة ! مسعد ياسخاوي ، أوعى يكون العيال بتوع المقاطير برمولك سيجارة حشيش ..
حاشا لله يامعلم ، بقولك أنا درست المصلحة كويس أوى ،
 وحسبت حسبتها من كافة شيئ ، وحتى ...
سيبه يامعلم ، خلاص يامسعد مدام أنت عارف راسك من رجليك ، اتوكل على الله ، وخلى أسرار مصلحتك فى عبك ، ومتهيأ لى المعلم دسوقى مش هيعز عنك
 الأرضية اللى تلزمك فى الصالة ..
أمال ، ودى عايزة كلام برضك يا أستاذ رامي ، دا مسعد ابن حلال ومجدع ، من بكرة تعالى خد مكانك وظبط أمورك ، وأنا والأستاذ رامى فى ضهرك ، اتوكل على الله وورينا الهمة ..
بس عدم المؤاخذة ، سويت أمورك مع المعلم شربيني ، آه ، أصل شربيني صهيوني وميعرفش أبوه ، ولو بعته مش هيشتريك تاني ..
اطمن يامعلم ، كل حاجة هتمشى بالمعروف بعون الله .. طيب ، بالإذن أنا ، أخطف رجلي لرجب السمكري ..
اذنك معاك ، سلم لنا عليه .
يسحب نفسا من سيجارته الرخيصة ، وقلما من على أذنه الوطواطية ، يزم شفاهه الزرقاء : بس مقاس الصاج تلاتين فى خمسين اللى انت عايزه للهريسة ده ، مش غريب شوية يامسعد ياخويا ، ولا إيه ؟!
لا يا اسطى رجب ، أنا حاسب حسبتى إن حتة الهريسة تكون أربعة سنتى فى سبعة سنتى ، وبكده الصاج يعمل تسعة واربعين حتة ..
بيد مرتعشة ، يركن مابقي من سيجارته على حافة ماكينة التناية ، ويركن قلمه على حافة أذنه ، ليضرب كفا بكف .. يامثبت العقل والدين ، انت هتبيع الهريسة بالسنتى يا مسعد !
مش العبارة يا اسطى رجب ، أنا ظابط كل حاجة على أد قروش الغلابة ، هى بريزة ، مش هتزيد الحتة عن بريزة أبدا ، أنا عايز العيل الصغير والفقير الغلبان الشقيان يلاقى حاجة نضيفة تحلي بقه ، من نفسه ، ولا الفقير مالوش نفس !
والله حيث كده ، ربنا يديك على أد نيتك يامسعد ، خلاص أنا فهمت انت عايز إيه ، فوت عليا عالمغربية كده ، أكون عملت لك تلات أربع صاجات عينة تجرب فيهم ..
جمعة كاملة قضاها مسعد بأيامها ولياليها ، يضبط المقادير ويحبك الخلطة ، يفرشها فى أرضية الصاج المدهونة بالسمن ، يبططها برفق حتى تتماسك وتستوى ، يقسمها بسكين حادة بالتساوى ، سبع خطوط رأسية وسبع أفقية ، لينتج عنها تسعة وأربعون قطعة هريسة مقاس أربعة فى سبعة سنتى ، تتوسطها حبة فول سوداني ، كجوهرة تاج ..
يكابد مع العم فرغلي خباز فرن الخشب العجوز المدقدق ، ليصل إلى درجة التسوية وإحمرار الوجه الذى يريد ، يغمره بالسكر المعقود كالعسل ، فليمع ويزهزه برائحة ماء الورد  ..
يحمل مسعد عينات الهريسة ، ليستطلع الأراء ويدون الملاحظات ، بدءا من العم فرغلي الخباز الخبير ، ثم المعلم دسوقي والأستاذ رامي المحامي ، مرورا بالصعيدى تاجر الدقيق والسكر والسمن ، البقالين بالحي ، الأم والأخوات ، حتى الصغار فى الأزقة ، والغلابة فى الشوارع !
إيه الجمال دا يامسعد ، حلوة الهريسة ، تسلم إيدك ، كنت مخبى دا كله فين  ..
كل شيئ بأوان يامعلم دسوقي ، وانت مش غريب ، مشوار البنات فى أوله ماكانش يستحمل تجارب ولامغامرات ، دلوقتى الحمد لله ، مافاضلش غير اتنين والأمور أحسن ..
ياللا ، هانت ربنا يقويك عليهم ، وتشوف نفسك انت كمان ، ولاهتسيب نفسك كده ..
على الله كله يامعلم .. ماقولتليش ، عايز منى كام أجرة الأرضية ؟
والنبى دا كلام برضك ، عيب تقول كده يامسعد ، شد حيلك أنت بس ، وشوف أمورك .. إلا صحيح ، هتعمل إيه فى العيال اللى هتساعدك ، شوفت حد ..
والله بفكر أبدأ بواحد يخدم عليا فى المكان ، وأنا أوزع بالعجلة .. الواد طه ابن الصول سلامة ، واد جدع ونضيف وراجل ، بس أبوه الفقرى الغبي منكد عليه وكل ساعة والتانية يكرشه علشان الحيزبون مراته بنت الصرماتى مش طايقة الواد ، وأهو بيفضل يلقط رزقه وآخر الليل ينام فى جامع سيدي قطب .. المهم كلمت أنا الواد إمبارح ، وهو بيحبني ويرتاح لى ، وهينزل معايا الشغل ورزقنا على الله ..
الله ينور عليك ، خير ماعملت ، كل دا هيقعدلك فى أمك واخواتك وصحتك وعافيتك ..

فى ليلة التشغيل ، سهر مسعد وطه ، حتى الفجر ، وأحضر الأسطى رجب خمسين صاج ، تلقفها منه طه دعكا وغسلا وتلميعا ورصا ، ليتفرغ لاستقبال ما يحضره مسعد من لوازم .. السميط والسكر ، كل فى الصندوق الكبير المخصص له ، والسمن والزيت والفول السوداني وماء الورد فى أماكن خصصت لها بنظام ، ماجور العجن نظيف لامع ، ترابيزة الشغل زى القشاط ، كل شيئ نظيف وجاهز ..
صليا الفجر ثم انطلقا  .. لتمتلئ البقالات بعد صلاة الظهر برائحة الهريسة ، وتمتلئ أفواه الصغار والغلابة بمذاقها الرائع !
يواصل مسعد التجوال على الدكاكين وقد غلبت فرحته بالنتيجة مشقته فى الوصول إليها ، ونزلت فرحة الصغار والغلابة بحلواه فى قلبه ، منزلا أعز وأغلى من أموال قارون ..
يسلم الصاج جملة بأربعة جنيهات ليبيعه البقال بأربعة جنيهات وتسعين قرشا ، الحتة ببريزة ، توكل على الله وأوعى تجور على الغلابة وتزود عن بريزة ، علشان ربنا يبارك لك فى الحسنة .. مسعد مشددا على كل بائع !
لم تمضى جمعة حتى انهالت الطلبات على مسعد ، فأوقف الأسطى رجب شغل الورشة ، ليلحقه بمئتي صاج إضافية ، 
ولم يعد الصعيدي يلاحق على طلباته من السميط والسمن والسكر ..
وكاد مسعد وطه ، وقبلهما العم فرغلى الخباز يسقطون من الإعياء ليلاحقوا الطلب المتزايد على الهريسة ..
عمال المعمار من الصعايدة الغلابة ينتظرون الظهر بفارغ الصبر ليطفئوا نار لقمتهم القاسية الخشنة من الفول والمخلل والمش والبصل ، بحتة هريسة ببريزة تطري على القلب ..
شلبي المناخلي ، بعد أن أحرقت الشمس قفاه ، وقطعت مناهدة النسوة قلبه ، يلقى بحموله تحت مظلة عبودة البقال لينفرد بحتة هريسة تحن عليه وتحلى بقه ..
عزوز المكوجي ، والواد هادى الحلاق ، ضيعوا فلوسهم على الهريسة ، لإعتقادهم أن سرها باتع للعرسان من أمثالهم ..
أما صغار الحى فأضحت الهريسة أداة إبتزاز فى أيديهم ، لايقضون مشوارا ولايسمعون كلاما إلا بحتة هريسة .. ولم يعد مسعد يمرق من بينهم متعجلا كعادته ، إلا ولاحقوه صائحين : مسعد هريسه أهه !
آه يا امه ، خلاص مفاصلى كلها اتفككت ، حيلى اتهد .. مش قادر أقوم من مكاني ..
سلامتك يا ابني ، ماهو لازم حد يساعدك برضك ..
بخاف على الشغل يا امه ، مش عايز حد يعكعك لى فى اللقمة وانا ما صدقت علمت الواد طه ، هلاقى زيه فين !
طب ما تشوف ناصر ..
ناصر ! ناصر مين ؟!
ناصر أخو شريفة جارتنا ، أهو مخلص جيش وقاعد مع أخته من يوم ماجوزها غاب .. ولاد حلال وفى حالهم وهما أولى بأى حسنة ..
بإنضمام ناصر وتفانيه ، هو وطه ، وإخلاصهما فى العمل ومحبتهما لمسعد الذى يحسن معاملتهما ويجزل لهما العطاء ، إزداد الطلب على الهريسة ، فازدادت الصاجات الواردة من الأسطى رجب ، والمون الواردة من الصعيدي ، وكبر العمل وصغرت الأرضية ، واتسع الرزق وضاق الفرن ، بصاجات الهريسة التى ملئت الأرض وبلغت السقف !
فرغ مسعد من زفاف البنتين المتبقيتين ثم عهد إلى البيت فنكسه وشطب الطابق الأعلى له ولأمه ، وأعاد تخطيط الطابق الأرضى ليتسع لنشاطه المتنامى ، وحمل العم فرغلي من فراش مرضه خصيصا ليشرف على بناء فرن التسوية ، وأحضر عمالا جددا وجرب أصنافا جديدة ، كالكنافة والبقلاوة التى فتح نجاحها شهيته لمزيد من الطموح فى التطوير والتحديث ، الذى بدأه بمحمد حسونة ، أحد زملائه من سائقي الشربيني السابقين ، ليشتريا سيارة نصف نقل مستعملة ، يجوب بها البلاد ليوزع الهريسة والكنافة والبقلاوة !
يرتبك الشغل فجأة لغياب ناصر الذى أصبح ركنا من أركانه ، فيهرع مسعد إلى حيث يقطن ليطمئن عليه ..
من أسفل الشباك الموارب : ناصر .. ياناصر ..
لينساب من خلف الشيش صوت هامس فاتن :
أيوا مين ..
متماسكا ، يتنحنح ، سلام عليكم ، أنا مسعد ، ناصر موجود ..
تواصل تذويبه بهمسها :
أهلا وسهلا ياسى مسعد ، اتفضل ، هو بعافية شوية ، اتفضل ادخل له السكة سالكة ..
وسط ضجيج نحنحته وسعاله المصطنع :
ياساتر ، بسم الله الرحمن الرحيم ، يتعثر فى طفلتين توأم أجمل من نور الصبح ، يهم بتقبيلهما فتفران فزعا من بنيانه الضخم ووجه الأحمر ولحيته المهولة !
يجهد ناصر لينهض من فراشه لإستقبال معلمه ..
خليك مستريح ، ألف لابأس عليك ، إيه الحكاية .. سلامتك ألف سلامة ، كده فجأة تقع مننا مرة واحدة ياراجل يا خرع ..
متحاملا ، يضحك ، فى دى معاك حق يا عمنا ، أتخن راجل جنبك لازم يطلع خرع ، ماشاء الله عليك .. الظاهر الطلوع والدخول من صهد الفرن لبرد الشارع هو اللى عمل فيا كده ، طول الليل جتتى نار وراسى بتغلي و ..
طرق رهيف على الباب ..
تعالى ياشريفة ، مسعد مش غريب .. أختى شريفة ، أم أمل وماجدة ، التوأم العسل اللى جريوا منك دول ..
سلام عليكم ، خطوة عزيزة ، مانتحرمش من سؤالك ياسى مسعد ، فيك الخير ..
لم يكد يرفع عينه ليرد تحيتها ، حتى مادت به الأرض ، وطغت سخونة رأسه على الحمى التى يشكو منها ناصر ..  بياض ذراعها الطفولي الذى تمسك به طرف طرحتها لتستر بها جانبا من وجهها المستدير الأشقر الذى تغالب فتنة المخفى منه جمال الظاهر ، يشع ضياءا ، خصلة الشعر الفاحم النافرة من طرحتها تظلل على عينيين نجلاويين سوداويين يكاد سناهما يذهب بالأبصار !
تنحنى لتضع صينية الشاى ، تغادر هامسة بخجل : اتفضل ..
لتسفر جلابيتها البيتي المزركشة عن قالب عبقري البروز والإستدارت ..
لم يسمع مسعد بعدها شيئا ، ولم يدر بشيئ ، حتى أفاق على صوت بكائه بغرفته ، ونحيبه على نفسه التى أهملها ، وشبابه الذى ظلمه ، ورجولته التى كبتها ودفنها ..
لتنهال مطارق الأسئلة على رأسه ، أين أنا ، وإلى أين ؟ ويتململ مارد عنفوانه الرجولي ، على رجع صدى همس شريفة الفاتن ، وتنشط براكين جسده الخامده ، على تتابع صور فتنتها فى مخيلته ، فتفلت من قبضته لجام رغبة طالما أمسك به ، وتكسر عن شهوته قيدا طالما أحكم إغلاقه !

إلا قوليلي يا امه ، إيه حكاية شريفة أخت ناصر ..
إيه ده ! معقول ! انت يامسعد اللى بتسأل عن شريفة ؟! من امتى وانت بتسأل على حريم يا ابنى !
أبدا يا امه ، دا انا بس بحاول أعرف ظروف ناصر إيه ، مش اكتر ..
الشهادة لله يا ابنى ، الحق يتقال ، إذا كان ناصر ولا أخته ، ولاد حلال وفى حالهم ، وشريفة بت طيبة وأميرة ، وشاطرة وشملولة ، غيرش بختها المايل اللى وقعها وهيا يا نن عيني بنت تمنتاشر ، فى جوازة بوز الإخص الموكوس شعبان ابن محمود العزب ، حياالله هى بذرة بذرها فيها جابت البنتين التوأم دول ، وجرى على العراق ، ومن يوميها فص ملح وداب ، لاحس ولاخبر ..
خمس سنين ياولداه لما البت ياحبة عيني زى البيت الوقف ، لا طايلة عتق ولا أنية ..
انقلب حال مسعد رأسا على عقب ، وغادر النوم فراشه ليفسح المجال لخيالات مبهجة لذيذة ملونة ، يصبر بها رجولته مع طيف شريفة الذى اجتاح ليله ونهاره ، صحوه ومنامه ، فلم يعد هو مسعد الذى كان ..

معقول ، المعلم دسوقى والأستاذ رامي ، ياد النور ياد النور ..
واحنا هنيجي لأعز منك يامسعد ، مبروك ماعملت يا ابني
ربنا يخليك يامعلم ويديك الصحة ..
آه الصحة ، هوا عاد فيه صحة يامسعد ، لولاش الأستاذ رامي شجعنى وخلانى أتعكز عليه ماكنتش جيت .. وأهو فرغلي كمان بعافية ، رقدته طولت وشكله هيودع باين .. يالله ، 
كلنا على الله ..
وحد الله يامعلم .. بس انت عامل شغل كويس يامسعد ، إن شاء الله هتتوسع وهتبقى عال ..
البركة فيك يا أستاذ رامي ، إلا قولي صحيح ، هيا الواحدة اللى جوزها يغيب سنين وتنقطع أخباره ، موقفها يبقى إيه ..

من حيث ؟!
من حيث .. من حيث الشرع والقانون يعنى ، هتفضل كده ، 
لاتموت ولاتحيا ، مش لها حقوق !
إنما إيه مناسبة سؤالك ، يامسعد !
أبدا يامعلم ، أمى حكت لى إمبارح عن حالة زى كده ، قلت أسأل ، يمكن يكون لها حل ومتعرفش ، نقدر نساعدها ينوبنا ثواب .. ياعالم يمكن تعتر فى جوزها ..
( يقولها وقلبه يرجف مخافة أن يحدث فعلا وتعتر على زوجها ، فيخنق أول أحلامه ..  ثم يرجف قلبه رجفة أشد ، أن سمح لنفسه أن يقع فى هذا الحرج ، فيهيم بإمرأة لم تزل شرعا على ذمة رجل آخر ، يتمنى ألا يعود .. ) !
مسعد .. رحت فين يا ابنى ، ومالك اتلبخت كدا ليه !
لا لا ، شوية إرهاق بس ..
مالكش حق أبدا فى اللى بتعمله فى نفسك ده يامسعد ، هتفضل سايب نفسك مدروش كدا لإمته ! خلاص ربنا أكرمك وأديت أمانة أبوك وجوزت البنات والحمد لله ، وواقف فى السوق على أرض صلبة دلوقتى ..
ماهو يامعلم ..
ماهو إيه بس ياشيخ .. انت عندك كام سنة يامسعد ؟!
تميت خمسة وتلاتين يا أستاذ رامي ، منهم عشرين فى مشوار علام البنات وجوازهم ..
طب ماهو كدا المعلم معاه حق يامسعد ، لازم تشوف نفسك ، ديننا مافيهوش رهبنة ، والله جميل يحب الجمال ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان بيعيش الحياة بكل جوانبها .. وأحنا شباب زى بعض ، وانت ماشاء الله عليك ، رجولة وعنفوان ..
يعني أعمل إيه ؟!
تعمل إيه إزاي يامسعد ، أنت هتخيب ! تعمل زى ماكل راجل مننا ربنا بيوسع عليه ويشوف نفسه ويظهر أثر النعمة ، اعمل سنة ربنا فى خلقه واتجوز يا أخي واطلب الذرية الصالحة .. ده دي !
بالراحة عليه يامعلم ، شوف يامسعد ، انت عارف غلاوتك عندنا ، من الآخر كده ، أنت تتكل على الله وتفوت على الواد هادي الحلاق يحلق لك دقنك دي ..
ممسكا لحيته بجزع : يحلق دقني ! يانهار أسود ، أنتو عايزين الناس تجرسنى ..
أيوه تحلق دقنك اللى عامله زى سباطة البلح ومكبراك خمسين سنة ومخلياك زى أهل الكهف دي يامسعد ، وتسمع اللى الأستاذ رامي بيقولك عليه ، وتخلع العمة اللى على راسك والبالطو والجلابية كمان ، وتلبس وتتهيئ زى أى تاجر كسيب ومحترم ..
أنت مش داري بالدنيا ، أمك الله يسامحها سلختك من المدرسة وطحنتك فى البنات وهم علامهم وجوازهم ، وجت سليمة وسديت والحمد لله ،
 مش تخرج من الخية دي ولا خلاص هتدروش !
مش القصد إنك تحلق دقنك خالص يامسعد ، على الأقل قصرها وساويها وهندمها ياسيدي ..
يطرق صامتا خجلا .. يتمتم ، ربنا يلهمنى الصواب ..
هيلهمك وهيكرمك ، ولولاش انت غالى علينا ماكناش رفعنا معاك الكلفة
 وكلمناك ونصحناك كده .. يالله ، بالإذن
طول بالك يامعلم لما أجاوب الراجل على سؤاله ، الكلام خدنا ونسيناه .. شوف ياسيدي القانون خمسة وعشرين لسنة تسعة وعشرين ، مادة اتناشر بتقول : إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول ، جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي تطليقها منه إذا تضررت من بعده عنها ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه ، ومادة تلاتاشر بتقول : إذا أمكن وصول الرسائل إلى الغائب ضرب له القاضي أجلاً وأعذر إليه بأن يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها، فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولم يبد عذراً مقبولاً فرق القاضي بينهما بتطليقة بائنة، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضي عليه بلا إعذار أو ضرب أجل ..

أما فى الشرع ، فالشافعي بيقول : أن الزوجة تتربص أربع سنين، ثم يحكم بوفاة الزوج الغائب ، فتعتد بأربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل للأزواج . والست دى لوعايزه نمشي لها فى القضية تعمل لنا توكيل بس ، والباقى على الله .

 لاحول ولاقوة إلا بالله ، لطفك يارب ، لطفك يارب ..
بسم الله الرحمن الرحيم ، مالك يامسعد ياابنى كفالله الشر ، انت بتكلم نفسك !
لأ يا امه لأ ، مفيش حاجة ، دا انا بستغفر ربنا ..
ربنا يا ابني يغفر للجميع ، بس انت عايز الصراحة ، من ساعة ما سألتنى عن شريفة وانا مش مرتاحة ، وشايفاك متغير وحالك مش عاجبنى .. إيه الحكاية ! تكونش عينك منها ، بس ازاي وانت شفتها فين ، دا انت عمرك مابصيت لحد ..
 يا اخواتى دى البت حتى لسه على ذمة راجل ..
مالكيش حق يا امه ، دا ظنك فيا ! هو انتى يا امه خلتينى أتلفت حواليا مرة ، ولا ابص ، ولا احب زى بقيت الشبان ، ولا بلاش نتكلم ، كله عند ربنا ..
انت بتعايرني بمساعدتك فى جواز البنات يامسعد ..
لا ياامه فى عرضك اعملى معروف ، دا انا لاعشت ولا كنت .. غيرش انى صعبان عليا نفسي حبتين ، ماكنتش اعرف ان الطاقة الرهيبة دى مستخبية جوايا وهتولع فى جتتي كدا مرة واحدة .. تعبان يا امه ومش طايق نفسي وعايز ارضى نفسي زى بقيت الرجالة ..
ربنا يا ابنى يهدى سرك .. وحد الله امال وقوم غير هدومك واتوضا وصليلك ركعتين ، وروق وتعالى كلك لقمة ، وبعدين نتكلم ..
حرما ياحبيبي ..
جمعا ياست الكل ..
إيه الحكاية يا ضنايا ، قوللي ..
بصراحة أنا رحت أسأل على ناصر لما غاب من الشغل ، ومن غير قصد عيني وقعت على شريفة ، ومن يومها وأنا معرفش إيه اللى جرالى ، كأنى كنت نايم وصحيت ، كنت فى غيبوبة وفقت .. نار يا امه فى جتتي وأعصابى ، حتى المخدة تحت راسي صبحت جمر ..
بس دى مهما كان يا ضنايا اسمها على ذمة راجل ، وبعدين معاها بنتين ، وانت لسه ماقيمتش ضهرك من هم البنات ..
يعنى إيه يا امه !
يعنى شريفة ست الكل وعلى راسنا ، بس أرض الله واسعة يامسعد ، انت بس علشان أول شوفه ليك ، ماتقلقش مادام نويت وبتفكر ، لسه هتشوف كتير ..
بس دى منكسرة وغلبانة يا امه ، وانتى نفسك بتعزيها ودايما تشكرى فيها ، وإذا كان على البنات أهو كله بثوابه ، وبعدين أنا سألت الأستاذ رامي المحامي ، قال لي ..
ده دى ، انت جرى لعقلك حاجة يامسعد ، بنقولك دى لسه على ذمة راجل ، ومهياش آخر واحدة فى الدنيا ، وحتى لو المحامي هيلاقى لعقدتها حل ، مين قالك انى هسيب ابنى البكر اللى صلاة النبى عليه طول بعرض ورجولة ووسامة ونعمة واستقامة ، هسيبه بعد دا كله يتجوز واحدة مانعرفش جوزها دا ممكن يطلع لنا امتى 
ويقول أنا جيت وعايز مراتي وبناتي ..
لا لا ، اعقل يامسعد ، سلامة عقلك ، ربنا يهديك ، دا انت عقلك يوزن بلد ياضنايا ..
كلمات الأم العاقلة نزلت على قلب مسعد بردا وسلاما ، وكأنما سكبت على نار شبقه الطارئ دلوا من ثلج ، وإن بقيت صورة شريفة فى قلبه ، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ..

عاد للإنغماس فى عمله بهمة ونشاط ، وبذل جهدا مضاعفا ليطمئن أن كل شيئ على أعلى مستوى من الجودة والنظافة والنظام ، وانشرح صدره لأداء ساعديه طه وناصر ، فبدأ يفكر جديا فى الأخذ بنصيحة المعلم دسوقي والأستاذ رامي ..
ذهل هادي الحلاق من زيارة مسعد المفاجأة ليطلب منه أن يأخذ من لحيته تدريجيا كل جمعة حتى لايفاجأ الناس بشكله الجديد ، ووضع طاقية صغيرة بدلا من العمامة تمهيدا لكشف شعره الرمادي الوافر السائح ، ثم زار الأسطى حلمي الترزي ليأخذ مقاس بنطلون وقميص ، يلبسهما بالتبادل مع الجلباب والبالطو مؤقنا ..
يخطو كل هذه الخطوات الهادئة من الإحلال والإستبدال ، التجمل والتحرر ، وسط تشجيع أمه و أخواته البنات وفرحتهن ، وانبهار طه وناصر وزهوهما ، واندهاش أهل الحي وضحكهم ..
حتى دخل على المعلم دسوقي والأستاذ رامي ممتطيا "فسبا" إيطالية حمراء ، كحمرة وجهه الأشقر ، يتطاير منها شعره الغزير الناعم ، وترفرف جاكتته الزرقاء على قميص أبيض .. فيقسم المعلم دسوقى بأغلظ الأيمان أن يذبح خروفا حالا إحتفالا بعريسنا الجديد الجميل المنتظر ، الذى ذبح الدروشة !

ولد مسعد هريسة من جديد ، ليحيا حياة جديدة ملؤها النجاح فى صناعته التى يتسارع نموها وتطورها وتترسخ أقدامها وشهرتها فى السوق ، ببركة إستقامته ورضا أمه ودعواتها له ، التى تردد صداها عند الكعبة وفى عرفات إبان حجهما معا ..
من آن لآخر يهل عليه طيف شريفة ، فيحول بينه وبين القبول بأى عرض زواج من تلك التى تطارده أمه بها كل نهار ..

سلام عليكم ..
وعليكم السلام ، اتفضل ، أى خدمة ..
مش مصنع الهريسة برضه !
سلامة الشوف ياعم ، أمال دا مصنع طرشي !
عدم المؤاخذة ، بسأل عن ناصر عبدالعزيز سرحان ، قالوا لى إنه شغال هنا ..
دا صحيح ، بس هوا فى مشوار ، أنا مسعد السخاوي ، صاحب المصنع 
و فى مقام أخوه الكبير ..
عدم المؤاخذة ، أصل معايا له تلغراف ، فيه أخبار مش ولابد يعني ..
قول ياعم ، اعمل معروف ، سيبت ركبي ..
جوز اخته ، شعبان محمود العزب ، تعيش انتا ، ونعشه فى قرية البضايع فى المطار ، عايزين حد يستلمه ..
لاحول ولاقوة إلا بالله ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، خد ياعم ، اتوكل انت على الله ، متشكرين ..
إيه ده ! عشرة جنيه ! دا انا ليا تلاتين سنة فى التلغراف ، أول مرة حد يديني بقشيش فى جنازة ، هيا جنازة ولا جوازة !
خمسة أشهر مرت على مسعد كخمسمائة ، حتى انقضت عدة شريفة ، ليعود أخوها ناصر إلى بيت أبيه ، وبنتيها أمل وماجدة ليبتن مع أم مسعد فى الشقة المقابلة لشقة أمهما العروس المرتقبة ، و ليسهر الحى والتجار وكل من باع واشترى وتذوق هريسة العريس ، مسعد هريسة ، حتى الصباح فى احتفال صاخب ..

شريفة ..
عيون شريفة ..
ياخلق هوه ، تبارك الله ، وكتاب الله ما انا مصدق أبدا ان الجمال ده شاف جواز ولاخلفة ، أنا فى حلم ولا فى علم !
انت فى علم يليق بمقامك ، يا سيد الرجالة ياغالي ..
يتسلل صوت محمد قنديل من راديو قريب :
حلاوة زمان ، عروسة حصان ،
وآن الأوان تدوق يا وله ..
تعالى لعمك ودوق الحلاوة ،
وعيط لإمك عشان الحلاوة ،
وعكرت دمك عشان الحلاوة ..
آن الأوان تدوق يا وله !
شفت الفال ياسي مسعد ..
اللى أكل الغلابة الحلو من إيده سنين ،
آن الأوان يشرب الشهد من إيدي ، العمر كله ..
آن الأوان تدوق يا وله !