يدخل حمادة من الباب ، حاملا لوازم الفطور ، يستقبله صوت أمه وهى تجاهد
لأيقاظ أبيه ..
واد ياسونه ، بتكلم مين في البلكونة عندك ، يالا علشان مدرستك ..
أيوه ياماما ، دا عادل بيسأل على حمادة ،
قوله نازل أهه ، ويالا تعالى على سكتي ،
السلام عليكم ، ازيك يا أخ عادل ،
وعليكم السلام ، بالله عليك ياحمادة ، دي ورطة تورطها لي ؟!
ورطة ايه كفاالله الشر ؟!
كلمة الجماعة الإسلامية في الإذاعة النهاردة ، ياراجل ، دا أنا دخت علشان
بس أختار الموضوع ،
والله ما عرفت أذاكر ، ولا حتى أنام ،
وماله يا أخ عادل ، كلنا بنتعاون وبنتعلم ،
دلوقتي بس عرفت قيمة موهبتك ، ماشاء الله عليك ،
مقولتليش ، نشاطنا في الجماعة الإسلامية هيقتصر لحد آخر السنة ، على
الإذاعة بس ؟!
مش عارف ، انت رأيك ايه ؟!
قول انت ..
والله ، لو حافظنا على اهتمامنا بفترة صلاة الظهر ، مع الإذاعة ،
أعتقد دا يكون كافي جدا ، ومناسب
لدخلة الإمتحانات ،
ودا رأيي برضه ،
إجمع طابور ....
بخمود الحركة والضجيج ، ونشاط الهدوء والصمت ،
وبينما يعلن اليوم الدراسي عن قرب انتهائه ،
ينتبه حمادة من غفوة اعتاد أن يسرقها في الحصص الأخيرة ،
كلما سنحت له الفرصة ،
ليتكأ عليها بقية يومه المشحون دائما ..
محمد يا جميل ، كلم الأستاذ اسماعيل حسونة ،
السلام عليكم ، يا أستاذ اسماعيل ،
تعال يامحمد ، انت ليه ما قولتش كلمة الإذاعة النهاردة ؟!
أبدا يا أستاذ ، حبيت أشرك زملائي ،
طب أشرك أستاذك الأول يا أخي ، ليه مخدتش رأيي في التغيير ده ؟!
آسف يا أستاذ ، فكرت الموضوع عادي ،
ومالقتش غير الواد الغبي اللي اسمه عادل ده ،
تخليه يتنيل يتكلم في الطابور ،
ويعك الدنيا ، ويحرجنا قدام المدير ،
أنواع نجاسات ايه ، وزفت ايه اللي بيتكلم عنها دي ،
الله يسد نفسه ، زي ما سد نفسنا
على الصبح ،
من هنا ورايح حسك عينك حد يقدم الكلمة دي الا أنت ، فاهم ،
والا والله ألغي يوم الإذاعة المخصص للجماعة ده ، واريح دماغي ،
أنا آسف يا أستاذ ، مش هقدر ،
نعم .. هو بمزاجك ؟! المدير بذات
نفسه ، كلمني النهارة ،
بعد الكلمة المرحاضية بتاع الواد الغشيم ده ،
وقال لي ، ثبت جميل النادي في الفقرة دي ،
وكان مبسوط جدا من أداءك في الحفل ، وهيستقبلك في مكتبه ،
مش عايز يا أستاذ ، مش عايز حاجة ، ولاتثبيت ولاتكريم ،
خد هنا يا واد ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ايه اللي جرالك ،
ما انت كنت زي الصاروخ ، ماشاء الله عليك ،
مالك ، قوللي ، حد زعلك ، حرنان ليه ؟!
كلامي ونشاطي بيوغر صدور بعض الزملاء ، وبيقولوا ان أنا واكل الجو ،
وبستعرض ،
وانهم خايفين عليا من الوقوع في الرياء ،
آه ، كده أنا فهمت ، وطبعا الواد الغبي دا منهم ؟
شوف يا ابني ، انت بسم الله ماشاء الله عليك ، ولد نابه ، وربنا أفاء عليك
بمواهب عظيمة ،
فأنت قائد فذ ، لديك براعة نادرة في التجميع والتنظيم ، وخطيب مفوه ،
ومتحدث لبق ،
وأجمل مافيك ذكاءك الاجتماعي المبكر النادر ،
دي يا ابني نعم عظيمة ، سيحاسبك
الله عليها ،
فتعهدها في نفسك بالرعاية ونميها بالعلم ، وسخرها لخدمة وطنك ،
ولاتبالي بأصحاب العقول الضحلة ، والعقد الاجتماعية المتأصلة ،
واستعن بالله ولا تعجز ، واخلص نيتك ، وتزود بالتقوى ، واستقم على الطريقة
،
من اليوم فقرة الكلمة الإسبوعية في الإذاعة مسئوليتك ، اتفضل ، مع
السلامة .
السلام عليكم ، ازيك ياعمي ،
أهلا سي حمادة ، وشك ولاالقمر ، بطلت تيجي ليه ؟
معلش كنت بحاول أنظم أموري بين المذاكرة والمحل ،
هيه ، ونظمتها ؟
الحمد لله ، كنت عايز أنجز حاجة النهاردة ، لو فيه شغل ليا يعني ،
بقولك ايه، انت ترسالك على بر ، علشان الشغل اللي هيتركنلك ،
محدش هيعمله الا أنت ، فاهم ،
حاضر ، بس أستأذن في حاجة ،
نعم ،
كنت عايز آخد الكاسيت جنبي وأنا بشتغل ، أسمع عليه شرايط سجلت عليها دروس ،
أهو أديني أراجع برضه ، وأنا شغال
،
بسيطة دي ، اتفضل خد الكاسيت جنبك ، وخلي توفيق يطلعلك شغل تعمله النهاردة
،
ازيك يا توفيق ، فيه شغل ممكن أعمله النهاردة ؟
خد ، ستة حتت أهم ، توكل على الله ..
طب ممكن من بكرة ان شاء الله ، تعمل حسابي في عشر حتت ،
خف انت ايدك بس ، وربنا يسهل ،
ايه ، خلصت الشغل ،
الحمد لله ، وسلمته لتوفيق ،
كام حته ؟
سته ،
خد حسابك ، وفوت على مراة عمك وانت ماشي ،
حاضر ، انا كنت لسه هستاذن حضرتك ، أفوت على البيت ،
سلام عليكم ،
أهلالالالا ، مش معقول ،
إازيك يا هوبة ،
حمادة ياماما ،
خد تعال هنا ياواد ياحمادة ، أعمل فيك ايه ، هو انت ما تصدق تغطس ،
مش تيجي ياواد تودنا وتطل علينا ،
والله غصب عني ، ومع ذلك ، أديني جيت أهه ،
خش ، يالا على ما أجيب لك لقمة تاكلها ،
علشان خاطري ، بلاش أكل ، انا عايز حضرتك في موضوع أهم ،
ولا كلمة ، قبل ما تاكل لقمتك ، تقولش جي واكل خروف ياخي ، كل ونتكلم على
الأكل ،
يالا ياواد يا ايهاب تعال حط العيش والملاعق ،
امال نورا فين ؟
في الدرس وزمانها جاية ،
ايه الموضوع المهم قول ،
حضرتك عارفة معزتك عندي ،
دانت في غلاوة العيال دول ، ياما قلبي انفطر عليك ،
بس ماكانش بايدي حيلة ، انت عارف عمك ،
الحمد لله ، اهو مهما كان ، كتر خيره ، المهم حضرتك عارفة الظروف ،
واذا كان فيه عمر ونصيب في الجامعة ، محتاجة تدبير من دلوقتي ،
لأن حتى لو بابا صلح الوضع ، هتبقى الأولوية لجهاز البنات ،
قلبي معاكم والنبي يا ابني ، ان شاء الله ، تتنصف وتروح الجامعة ،
وربنا يوسع على باباك ويستر البنات
،
قولي بس اقدر اعمل ايه ؟ وانا مش هتاخر ،
ربنا مايحرمني منك ، أنا بحاول أزود انتاجي في المحل ،
علشان أطلع اتنين جنيه على جنب ، بعيد عن ايد ماما ،
عايز حضرتك ، تشوفي لي جمعية ، بحوالي خمسين جنيه في الشهر ،
بحيث لو أقبضها على شهر عشرة الجاي باذن الله ،
أهو تسندني في احتياجات الكلية ، من لبس ، وخلافه ،
من عينيه ، اعتبر الجمعية في ايدك في الوقت الي انت حددته ده ، بس ، طب
ومذاكرتك ،
ما تخافيش ، ان شاء الله هنجح وأحقق اللي في دماغي ،
بسم الله ماشاء الله عليك ياحمادة ، من يومك مستقيم وراجل ،
عقبال ما أشوف ايهاب ابني زيك ،
ان شاء الله ، تشوفيه أحسن مني ، يالا متشكرين ، سلام عليكم ، سلموا لي على
نورا
ياابني انت مش هتبطل عمايلك دي ، تقدر تقولي كنت فين ؟
كنت في المحل ، وعديت على أم ايهاب ، وبتسلم عليكي ،
الله يسلمها ، طب مش تنبهني قبل ماتنزل الصبح ، ولا تسيبني محتارة كدا ،
وبعدين ايه اللي رجعك المحل ، اعمل معروف ، مش هشيل ذنب نتيجتك آخر السنة ،
معلش ، حقك عليا ، متخافيش ، انا مظبط أموري ، ان شاء الله ، هنصفك ،
مش هتاكل ،
أكلت الحمد لله ، مزنوق ، عايز أجهز لدرس الرياضيات عند الاستاذ مجدي ،
يادوب ألحق أحل التمارين قبل العشاء ما تدن ،
علشان هروح خمس دقايق بعد صلاة العشا مع الشيخ زغبي ،
نعزي الدكتور بشاي في حماته ،
فيك الخير ، بس انتبه لمذاكرتك ،
ادعي لي انتي بس ،
منورنا ياشيخ زغبي ، انت وحمادة ، متشكرين أوي ،
دا نورك يادكتور ، كفاية أبونا باسيلي مشرف الحتة كلها ، متشكر يا شيخنا ،
دا من أصلك ،
دا من أصلك ،
معلش اتاخرنا ، الله يقدس روح الست
تريزا ، كانت نسمة طيبة في دنيتنا،
أبونا باسيلي ، الشاب الصغير الجميل ده ، حمادة ، ابننا ،
ولد متدين ومؤدب ، ريحانة الحي ،
جده الحاج جميل النادي الله يرحمه ،
معقول ؟ أهلا يا ابني ، الحاج جميل ، قل أن يجود الزمان بمثله ،
كنت لما اروح له الورشة ، في شغل
للكنيسة ،
كان يقوم يجري يرحب بيا ، ويهتم ويشرف على كل حاجة بنفسه ،
لحد ما تتعمل باسرع وقت ، واعلى
مستوى ،
ويرفض بشدة انه ياخد اي مصنعية ، حتى بقشيش العمال ،
ويقولي ، زي ما بعمل للجامع أعمل للكنيسة ، كلها بيوت ربنا ، الله يرحمه ،
فاكر يا شيخ زغبي حكاية المحكمة ، أكيد سمعتها من الحاج جميل ،
طبعا ، كان بيحب دايما يحكيها ، ويفخر بيها ،
من حوالي عشرين سنة ، كان جامع سيدي أبو الحسن الكبير ده ،
عبارة عن زاوية أو مصلى ، في ركن من ساحة السوق الممتدة أمام الكنيسة ،
لحد ما نشأت فكرة تكبير المصلى بمساحة السوق كله ،
ليضاهي الكنيسة ، بل ويتفوق عليها
،
وبالفعل تسابق الجميع ، وبادر أصحاب الورش والمحلات بالتنازل عن أماكنهم ،
عن طيب خاطر لصالح توسعة الجامع،
وكان الحاج جميل على رأس من فعلوا ذلك ، اتنازل عن ورشته ،
وراح خد ورشة كبيرة في شارع الخديوي ..
خدوا بالكو ، ابونا باسيلي بيحكي تاريخ عظيم ،
بالضبط يا شيخ زغبي ، المفروض الكلام اللي هقوله ده ، يتسطر في كتب التاريخ
،
المهم تسابق الجميع ، ليخرج المسجد في أبهى وأفخم صورة ،
وليشكل مع الكنيسة لوحة رائعة ،
تزهو بها مدينتنا ،
لكن سرعان ماتعالت أصوات من الكنيسة ، تبدي أستياءها من لغوشة ميكرفون
الأذان ،
قابلها على الطرف الآخر أصوات أبدت ضيقا من تشويش دق الأجراس !
حتى وصل الأمر الى المحكمة ، جماعتنا احتجوا بأن الكنيسة
سابقة في المكان على الجامع ،
سابقة في المكان على الجامع ،
وأخواننا من أهل الجامع ردوا بأن هذه بلاد المسلمين ، يفعلون بها مايشاءون
،
ثم أين صوت الأذان العذب الخاشع ، من قرع الأجراس المزعج الصادم ؟
احتدم الخلاف ، وتعالت الصيحات وتكهرب الجو ، حتى بدت الحيرة على وجه
القاضي ،
ليخترق هذا كله ، رجل يهب واقفا كسد منيع في طريق الفتنة ،
كطود شامخ في وجه الطوفان ،
يندفع المعلم جميل النادي نحو المنصة ، بقامته المهيبة ،
وصوته الجهوري الحاسم ، مستئذنا القاضي في الكلام ،
فياذن له القاضي ، ليقول قولة تكتب بحروف من نور ،
حتى ابكت ابونا باخوم ، وقد كان جالسا الى جواري ،
بل وكثيرين في قاعة المحكمة أيضا ، قال بصوت مؤثر جدا :
يا جناب القاضي ،
مش هيفضل من خير البلد دي حاجة ، و
هيتخلى عنها ربنا ،
ان ماكانش الادان يدن ، والجرس يدق !
لم يبدد صمت الخجل الذي عم المكان ، الا كلام القاضي الحاسم ،
برفض الدعاوى ، وتنبيه طرفي النزاع :
اتوكلوا على الله ، واتوحدوا ، واعبدوا ربنا بحب ، فالله محبة !
رجعنا كلنا مع بعض لحد ما وصلنا السوق ، سلمنا على بعض ،
فبادر الحاج جميل النادي ، بعد استئذان الشيخ رجب امام الجامع .. قائلا :
احنا من ناحيتنا هنوجه الميكرفون الجهة التانية ، ونضبط صوته بحيث ما يعملش
دوشة ،
رد أبونا باخوم وقال لي ، يا باسيلي ، مفيش جرس ساعة الآذان ،
أو وقت الفريضة عند اخواننا في
الجامع ..
ماتدقش الأجراس ، إلا لما يخلصوا !
يفشل حمادة في مقاومة دموعه ، فيغمز للشيخ زغبي ، ليستاذنا ،
تصحبهما عبارات إمتنان الدكتور بشاي على السلالم ، يودع حمادة الشيخ زغبي ،
تغشاه مشاعر مختلطة من الإمتنان لجده ، الذي لو انصف التاريخ ،
لخصص له صفحة بهذا الموقف وحده ،
والحنين إليه ، وتنسم عبير ذكراه ،
بينما ينطلق مسرعا ليلحق بدرس الرياضيات ..
إزيك يا حمادة ، إتأخرت ليه على الحصة ، مش عوايدك ،
آسف يا أستاذ ، كان عندي مشوار عزا ، ست مسنة جارتنا ،
طب خش حل تمارين مع زملائك .. على فكرة ، الله ينور عليك ، الحفلة أدهشت
الجميع ..
آه ، وكمان الأستاذ عاطف الغويط ، عايزك تفوت عليه وانت نازل ،
ياللا ، توكل على الله ، حل معاهم التمارين دي ، و تعال لي ..
الأستاذ عاطف موجود ،
نقوله مين ؟
محمد جميل النادي ،
اتفضل ، أهلا يا أخ محمد ، ابن حلال ،
كنت في انتظارك أنا و الأخ رائد ، علشان أعرفكو ببعض ،
الأخ رائد البسيوني ، رئيس اتحاد طلاب كلية الصيدلة ،
بدا رائد لحمادة ، من أول وهلة ، شابا ربعا ، متوسط الطول ، عريض الصدر ،
مدور الوجه ، ابيضه ، كأنما قد من جبس ، لخلوه من اية انطباعات ،
واسع العينين أسودهما ، كشعره الفاحم ولحيته الكثة ، وحاجبيه الكثيفين ،
يجلس حاملا بيده كتابا ، ينظر بعيني من يتفرد بفهم مالا يفهمه غيره ،
أو يقوم بعمل ربما لايقدرعليه أحد سواه ،
من آن لآخر يبدي لحمادة ابتسامة باهتة ، كلون ثوب قديم ،
أهلا يا أخ رائد ، أنا محمد جميل النادي ، ثانوية عامة ،
ليكمل حمادة جلسته صمتا ، متحيرا من شعور غريب اجتاحه بعدم الارتياح لهذا
الشخص ،
فلم يجرب على احساسه كذبا قط ، فهو شديد الحساسية للانطباعات الاولى ،
هيه يا أخ محمد ، عامل ايه في المذاكرة ، باين عليك مرهق ،
الحمد لله ، أنا مرهق كده على طول ،
الأخ حمادة ، ماشاء الله عليه ، شعلة نشاط ، بيشتغل وبيذاكر ، ومجتهد ،
مدرسته الضخمة العريقة ، كانت خامدة كأسد عجوز في قفص ،
فنفخ فيها الروح ، بهمتة ونشاطه وذكاءه ،
واقام فيها عملا جميلا ومنظما ،
أجرى الدم في عروق زملاؤه ، وادهش الجميع .. الأستاذ عاطف متحدثا بفخر !
انت معجب بالأخوان يا محمد ؟!
حمادة ، مندهشا من صلف رائد ، وتجاهله التام لما حكاه الأستاذ عاطف ..
وبينما تقفز الى مخيلته كلمات صديقه فؤاد ، والشيخ زغبي ، يرد :
يعني ، لسه بحاول أفهمهم ، أنا معجب ببعض أفكار الشيخ حسن البنا ،
لكن معرفش مدى صلتها بالواقع ،
رائد البسيوني ، محاولا إخفاء اندهاشه من جرأة حمادة ، وتعامله بندية ، وإعتداده
بنفسه ..
طيب ياسيدي ، تعال إنت وزملاءك زورونا في الجامعة ، ونتعارف أكتر ، يمكن
نعجبك ..
هحاول ، إن شاء الله ، بس الإمتحانات على الأبواب ، ربنا يسهل ،
استاذن ، سلام عليكم ،
استاذن ، سلام عليكم ،
يخرج حمادة من بيت الأستاذ عاطف الغويط ،
ليجد نسمات مارس المنعشة بانتظاره ، لترافقه الي البيت ،
حتى تدخله الي بيتهم ، فيصادف سلوى على السلم ، بتلهف تسأله :
وصلك الشريط ؟!
ايوه طبعا ، شكرا ،
وايه رأيك ؟!
رائع ، إستفدت منه جدا ،
وبعدين ..
ولاحاجة ، لاصوت يعلو على صوت المذاكرة الآن ،
يعني نعطل قلوبنا ؟!
بالعكس ، نشغلها على الآخر .. بس مع ربنا ،
نتوجه اليه يالإستغفار ، وتلح عليه بطلب العون ،
تصبحي على خير ..
يصل حمادة الليل بالنهار ، العمل بالمذاكرة ، الأمل بالرجاء ..
يكاد يسقط من الإعياء ، كي يقطع شوطا على طريقه الوعر ، الطويل ، المضني ،
ليصل الي احدى محطاته المصيرية ، بظهور نتيجته المشرفة ..
التي فجرت ينابيع السعادة في قلب امه ، حتى أغشي عليها من شدة الفرح ،
وأعادت الروح الى قلب أبيه ، الذي انتعش من شدة الزهو ،
وأعادت الأنوار الى البيت ، وذكرت الأحبة بعنوانه ، فأتوه من كل حدب وصوب ،
بالسكر وشربات الورد ، والنقوط السخية ، ورنين الزغاريد ..
أول مرة في حياته يسمع في بيتهم زغاريد ، كم سمع وحفظ من أغان ، وأحبها
وطرب لها ،
ليأتي نغم زغاريد يوم نجاحه ، يتردد صداه في بيتهم ، فينسخ كل ما سمع من
أنغام ،
إلا صوت العندليب ، حليم ، رفيقه منذ الطفولة ، عاد اليه اليوم ،
بعد طول غياب ، ليصدح ، هاتفا ، الناجح يرفع إيده ..
بدت أمه ملونه بكل ألوان الفرح ، وكأنها دخلت الجنة ، وترتع في رياضها ،
وجهها الأحمر توهج وضاءا حنونا ، كشمس الشتاء ،
علا صوتها ، لعلعت ضحكاتها ، زالت أوجاعها ،
دبت فيها روح عروس ، طال انتظار عرسها ،
وغشيتها نشوة قائد حقق نصرا مؤزرا ، لاسيما بعد أن اكد لها الجميع ،
وعلى راسهم المهندس محسن ، شقيق
سلوى ،
أن مجموع حمادة سيدخله كلية الهندسة مستريح ، باذن الله ،
لم يعد في البيت موطأ قدم ، جدته وشقيقاتها ، خالات أبيه ، نينة عطيات ،
ونينة فوزية،
اللائي يذوب فيهن حبا ، من فرط ماذاق من حنان في حجرهن صغيرا ،
جئن فرحات مزغردات ، ليسبح في أحضانهن ، وقبلاتهن ،
ويتبرك بدعائهن ، ونقوطهن السخية ،
وأعمامه ، وزوجات أعمامه ، وأبنائهم ، وخاله الوحيد ، وخالاته ، وابناؤهم ،
مبروك ، ألف مبروك ياحسين يا اخويا ، عقبال ما تفرح بالبنات ،
الله يبارك فيك يا منعم ، منور ياماهر ، صحتك عاملة ايه ؟ الحمد لله ،
نحمده ،
بابا ، كلم ، الدكتور بشاي ، على الباب ،
مساء الخير ، مبروك يا معلم حسين ،
يا ألف مرحبا ، خطوة عزيزة يا دكتور ، الله يبارك فيك ، اتفضل ،
الله ، دا كل الناس الطيبين هنا ، مساء الخير ياجماعة ، مبروك لحمادة ،
يسعد مساك يادكتور ، اتفضل استريح هنا ، الشربات يا بنات ،
في الحقيقة يا جماعة ، حمادة ابننا ، مثال للإبن البار ، المستقيم المجتهد
،
لم يكد الدكتور بشاي يكمل كلامه ، حتى أجهش أبو حمادة بالبكاء ،
إيه يامعلم حسين ، أنا آسف ان كنت قلت حاجة ضايقتك ،
العفو يادكتور ، دي دموع فرح ، وحد الله ياحسين ياأخويا ،
سيبني يا منعم ، مش عارف هعمل ايه
للواد علشان يسامحني ،
تخليت عنه ، ودوخته ورايا في القهاوي ، وفي الآخر طلع نفسه مهندس ،
بعلو نشيج أبي حمادة ، يتكوم الجميع فوقه .. والنبي دا كلام ، حد يقول كده
،
هو له بركة إلا انت ، دا روحه فيك ،
وبعدين هو ربنا وفقه إلا ببركة دعاك له ، ورضاك عنه ،
فعلا يامعلم حسين ، حمادة بيحبك وبيحترمك ، ما تزعلناش في لحظة حلوة زي دي
،
ماتسمعونا زغرودة ياجماعة ، واد يا سونة ،
قول للستات الي ماليين البيت دول ،
يهيصوا شوية ،
قولهم عمي منعم عايز رقص وطبل وزمر ، روح إجري ، أمال ،
أفرح ياحسين بضناك ووحد الله
ياراجل ،
جارات أم حمادة ، حبيباتها ، و صويحباتها ،
اللائي يجمعهن بها البياض البض ، والنظافة والشطارة ،
يتناثرن حولها ، كالبط الشهرمان ، خفة ودلالا ،
يتبارين في إظهار الحب لها ،والفرح
لفرحها ،
بموجات متتابعة من الزغاريد الضاحكة ، والضحكات المزغردة ،
وبالقيام بخدمة الضيوف ،
يهرع لصلاة العصر ، متلهفا للقاء الشيخ زغبي ليبشره ،
فيتلقفه الشيخ بالباب ، محتضنا
يقبل راسه ، فيتعلق بعنقه الطويلة ، باكيا بحرقة ..
تعبت يامولانا ، نجحت يامولانا ،
فيصحبه الي غرفة مكتبه ، مرددا ، حاشا لله ، أن يضيع أجر من أحسن عملا ،
ويخر ساجدا شكرا لله ، فيتبعه حمادة ، ليبلل السجادة بدموع فرحه وامتنانه
لله ،
يصل جواب مكتب التنسيق ، ليؤكد توقعات الدكتور بشاي ،
بترشيح حمادة لكلية الهندسة ،
بترشيح حمادة لكلية الهندسة ،
فتنشط الأفراح من جديد ، لتعلن أتها ستستمر ، في بقية الرحلة .. مهما كانت
العقبات !
بعد جولة لحمادة على أخوانه ، وزملائه ، تبادلا فيها التهاني ،
فعادل الزيني ذهب الي كلية التربية ، والأطروش للتجارة ،
وأحمد عرجان للهندسة ، ونادر جورج للفنون الجميلة ..
يعود الي البيت الذي يلفه صمت ما بعد الفرح ، ليجد أمه مستلقية
على كنبتها في البلكونة ،
على كنبتها في البلكونة ،
يجلس قبالتها متمتما ، أخيرا سانفرد بشريك الكفاح ، واي كفاح يا أمي ،
يهمس محييا ، فتصحو كعادتها ،
انت جيت ياضنايا ، تعال الحق أمك ،
خير ياماما ، كفى الله الشر ،
ابدا ، خلصت الزيطة ، والفكر ركبني ،
فكر ايه ؟!
يعني ما انتش عارف ، الكلية وطلباتها ،
وحدي الله انتي بس ، من هنا ورايح ، تفرحي وبس ، هم وغم ، ممنوع ،
والله ما هيهنالي بال ، الا ما اطمن عليك ، ونستر أخواتك ، وافرح بعيالك ،
والله انت طماعة و اروبة ياماما ، هتعيشي دا كله ،
عايزني أموت ياحمادة ،
بعيد الشر ، انا بخزي عنك العين ، يانور العين ،
طب دا أنا ، حسبت كل النقوط طلعوا ربعمية جنيه ،
وفيه جمعية صغيرة عاملها مع طنط عايدة ، علشان الكلية ، هقبضها الشهر الجاي
بمتين جنيه ،
يعني ستمية جنيه ، ياست الكل ،
طيب ، وحطي عليهم ستمية كمان ،
منين ؟
من الجمعية اللي انا عاملها ،
لاهو أنت عامل جمعية ، منين ؟
أي زيادة من المحل ، طنط أم ايهاب ، كانت بتحوشهالي ،
لااله الا الله ، والنبي باابني ، ما انا عارفة أقولك ايه ، ولا أكافئك
ازاي ،
أنا ماحلتيش غير رضايا عنك ودعايا ليك ، بس تسامحني ،
بلاش دراما الله يخليكي ، خلينا نحسب الحسبة ،
كده المجموع ، الف ومتين جنيه ، انا هحتاج بالكتير أوي ربعمية جنيه ،
ودول هيكفوك ياحمادة ،
ان شاء الله ، دول ينغنغوني ،
انا محتاج ايه غير شوية لبس ، وبعد كده ، ان شاء الله ، هوفر طلباتي من
شغلي ،
والباقي نفتح بيه ، دفترين توفير للبنات ، كل واحدة ربعمية جنيه ،
وأي قرش ممكن نوفره ، نحطهلهم في دفتر التوفير ..
روح ، الهي ما يخيب لك رجا يابن قلبي ، يارب ، زي ما بتفرج همي كل مرة ،
سبحان من أعطاك سحر لتفريج
الهموم ، روح ربنا يحميك ، عيني عليك باردة ياحمادة !
No comments:
Post a Comment