Search This Blog

Wednesday, January 4, 2012

العَصّارة - الحلقة العاشرة

أسكت يا عادل ، أنا مصدوم ، ومتألم جدا ..
 دلوقتي بس عرفت ليه كثير من المتدينيين بيقدموا الإسلام في صورة منقوصة ،
بل ظالمة ،
 من فرط ماهم فيه من حرمان من النور والذوق والجمال ،
 ماذا تنتظر ممن غمس نفسه في الرطوبة والقبح والظلام ،
 وفرغ حياته من أي ملامح جمال أساسية للروح والجسد وللعلاقات الإجتماعية ،
 أدنى حد من الملامح الفطرية ، التي ليس لها علاقة بالفقر أو الغني ..
 كالذوق في استقبال الضيف وإكرامه ، 
بتهيئة المكان اللائق من حيث الإضاءة والتهوية ،
 والنظافة والرائحة ، واللمسات الجمالية ولو لوحة على الحائط  ،
 فبالرغم كل ما عانيناه من شدة ، لم تحرص أمي على شيئ أكثر من حرصها على نظافة وجمال بيتنا وزهاوته !
أيضا المظهر يا أخي ، الشكل والأسلوب ..
 بالله عليك دي مناظر ناس تقدم نفسها للمجتمع على أنها تحمل رسالة الإسلام ، 
دين الحق والخير والجمال ؟!
والله لوبعث النبي ، عليه الصلاة والسلام ، من قبره ، واطلع على ملابسهم الرثة ،
 ولحاهم المفعكشة وعمائمهم المقيحة المنيلة بنيلة ، وأسنانهم الصدئة ونعالهم المتربة القذرة ،
 ورائحة العرق والحلبة والزيوت الزنخة المعبأة في زجاجات صغيرة يخبئونها في سيالة الجلابية ،
ليبيدوا بها الخلائق بزعم أنها مسك !
 طب والله النبي يغمى عليه ، ويقول ياخسارة تعبي وشقايه ..
 ما شفتش العصاية المعفنة اللي حاططها اللي اسمه "فجلة" ده في جيبه ،
 بتنز سائل اصفر نتن ويقولك سواك ، وسنة عن النبي ،
 زي ما التاني اللي بيدلدق الحلبة في الطبق ، وعلى دقنه وهدومه ، و برضه يقولك سنة عن النبي  ،
 آه يانبي يا مظلوم معانا !
 وبعدين ايه الشوم اللي راكنين دقونهم عليه ده ؟!
 أكبر خطر على الإسلام ، ان الأشكال دي توجه الناس ،
هيقدموا صورة عن الدين  مليانة سواد وغم وغباوة  ،
 من الإنغلاق والتخلف والضنك اللي هما منقوعين فيه !
والله العظيم ياعادل ، لو بإيدي ، لأجمع كل الأشكال دي في معسكرات ،
 واعيد تأهيلهم صحيا ونفسيا وثقافيا وذوقيا من الصفر ، 
 على الأقل أعلمهم النضافة يا أخي ،
 وما اسمحش لأي مخلوق يتصدى لدعوة الناس للعودة الى منهج الإسلام ،
 الا لما يكون آية في التأنق والنظافة ، والتحضر والثقافة ،
في الإنفتاح والحكمة والذوق والكياسة !
 ولعلمك ، اللي سايبين الأشكال المشوهة دي تعك و تلغوص في الجوامع ،
نيتهم مش سليمة تجاه الدين ،
 عايزين يبوظوه في عقول ونفوس الناس .. علشان يضيق به المجتمع وينفر من جهل وعشوائية أدعياؤه ،
 أنا هطق ، هتخنق ، أنا مش هسكت ولا هيهدى لي بال ولا يقر لي قرار ، 
الا ما أوصل للى أنا عايزه ،

وهو ايه اللي انت عايزه ياحمادة ؟! ..  انا ساكت لك من ساعتها ،
 وانت عمال تشتم في الناس الطيبين دول ، وتغتابهم ، وتتحامل عليهم ،
 ذنبهم انهم بيجتهدوا ، وعايزين يبلغوا دعوة ربنا ، ناس بسطاء وفقراء ،
 لكن بيأدوا واجبهم في خدمة الدين على أد جهدهم ،
 ولاحضرتك عايز كل من يدعو الى الله ، يكون في شياكة وجمال ولمعان حسين فهمي ،
 ويسمع بتهوفن ، ويدخن البيبة زي الريس ، وبالمرة يركب عربية مكشوفة !

طبعا أنا ما قلتش كده ..
 أولا على حد علمي الراجل الأستاذ سعيد ده مش فقير ، دا عنده عمارة مسكنها ،
 ودافن نفسه وولاده في القبر ده ، ومع ذلك مالناش دعوة ،
 ممكن تكون فقير دقة ، بس مظهرك نظيف ورحتك حلوة وعندك ثقافة وذوق ،
 وبعدين لحد امتى هتفضل صورة المتدين مدهولة ومتعوسة ،
من صغري بروح مع جدي الجامع الكبير ، وأشوف أساتذة الأزهر
من العلماء نور على نور ،
 في الوقار والثقافة والجمال والنظافة ،
 طب والله ياشيخ لسه ريحة كف فضيلة الإمام عبد الحليم محمود ،
 لما جه آخر مرة وسلمت عليه مع جدي ، لسه ريحة كف ايده وملابسه الزكية
  في روحي وقلبي ،
 ولا الشيخ محمد الغزالي ، آية في النظافة والأبهة والعظمة ،
 أما الشيخ الدكتور البهي وبذلته الأنيقة ووجه الوضاء .. ماشاء الله ، تبارك الله ،
 تعرف مثلا ان الشيخ المطراوي بيتكلم انجليزي والماني بطلاقة ، وهتروح بعيد ليه ،
 عمك الشيخ زغبي ، على طول تلاقيه جميل ونظيف ومتأنق وجزمته بتبرق ،
 علشان كده مخلي المسجد آية في النظافة والجمال .. ده اللي أنا عايز أقوله ،
ما تدخلنيش في سخرية وغيبة ونميمة ..
الفقير البسيط الغلبان المدهول على عينه ، لايتصدي للدين ،
يتفضل يستحمى ويلبس حاجة نضيفة ،
 ويروح يقعد زي الألف في الجامع علشان يتعلم من العلماء الحقيقيين ، 
مش لاقيهم يدور عليهم ،
 ويسمع الراديو ويقرأ الصحف ، ويتواصل مع العالم من حوله ،
علشان يتحضر ويتثقف ويتنجر ،
 الله يخرب بيت كل من يضعف دور الأزهر و يخيب أمل علماؤه ، ويضعف مستواهم ،
 علشان دا بيضر الدين ضرر بالغ ..

لا ياحمادة ما تأخذنيش ، أنت للأسف مغرور ، ومش عاجبك حد ،
 الظاهر الظروف اللي مريت بها خلتك قاسي جدا ، وعايز تهزأ في مخاليق ربنا ،
 هما فين العلماء اللي بتتكلم عنهم دول ، هنقعد نستناهم لأمتى ان شاء الله ، 
لما الدين يضيع ، طبعا لأ ،
 كل واحد يقدر يعمل حاجة وماله ، أهو بيقول للناس خير ، المثالية والأنزحة بتاعتك دي احتفظ بيها لنفسك ،
ولعلمك هتفضل تهاتي وتاكل في نفسك وما حدش هيعبرك ولن تصل لشيء ،
 الناس غلابة يا حمادة ، سيبنالك انت الشياكة والثقافة والفتاكة ياناصح ،

بص يا عادل ، مالكش دعوة بظروفي ، لأنك عارف انا ابن مين وعيلتي مين ،
على الأقل أنا مأصل كابر عن كابر ، ومن عيلة النادي ،
 الدور عليك ، انت وعيلتك نزحتو من ضنك الأرياف وعيشتو هنا بالكاد على أطراف المدينة ،
 ثم ان مالها ظروفي ، والدي غاب ، بس أمي بمية راجل ،
وطلعتني من تحت ايديها راجل ،
 وعلمت نفسي وثقفت نفسي ، أحسن منك ومن ألف زيك ،
 وبفخر بابويا المعلم حسين جميل النادي ، ربنا يتم شفاه ،
 وبعتبره أطيب وأجمل أب في الدنيا غصب عن التخين ،
 اللي عنده جد زي المعلم جميل النادي ، يوريني نفسه ياعادل يا زيني ..

ايه ياحمادة بالراحة انت زعلت ، مش قصدي حاجة ..

آه بحسب يعني ، أصل تكون فاكرني أتدروشت زيك ، لا ،
أنا آه حابب ديني من تربيتي عليه ،
 ونفسي الإسلام يسود العالم ، وأتشرف بخدمتة ، لكن أنا مش درويش ولا شيخ ، ولاعمري هستشيخ ،
 أنا أسلك مع العفاريت الزرق ، والويل اللي شفته علشان أسد في غياب أبويا ،
مش هيضيع هدر ،
 بالعكس دا سلاحي اللي هحارب بيه اي عقبة في طريقي .. يجهش حمادة بالبكاء ..

خلاص حقك عليك ، أنا مقصدش ، بس أنا مشفق عليك
من ان سخريتك اللاذعة الحارقة دي ،
 وعدم رضاك على اى حاجة ، وانفجارك في وجه مالا يعجبك ،
هينفر الناس منك ، وهيجيبلك المشاكل ..
انت ناسي ، لما آخر مرة بهدلت الأستاذ عبد الهادي في أنصار السنة ، علشان بيتكلم عن الفرق الضالة ،
 وخليت الراجل مكتئب لحد النهاردة ، والله بتكسف أقابله ..

وحضرتك كنت منتظر إيه ان شاء الله ، لما واحد كبير وعاقل وله لحية أد كده ،
 والمفروض ان عنده شوية علم ، وربنا يديله شباب كأشبال الأسود ،
 يلتفوا حواليه علشان يتعلموا حاجة يفيدوا بها وطنهم ودينهم ،
 يقوم يضيع وقتهم وجهدهم ، في الكلام عن فرق بادت ، وراحت في داهية ، 
وأفكار اختفت وانقرضت ،
 ايشي معتزلة ، وايشي جهمية ، وايشي مرجئة ، بالله عليك اذا ماكانش دا لغو ، 
امال اللغو يكون ايه ،
 اليس اللغو هو الكلام الذي لاينبني عليه عمل ؟!
 مال الشباب دول بالمعتزلة والمرجئة ، والرافضة والقابضة ،
 ليه مصرين ننفخ الروح في جثث ماتت ، وعودتها لن تفيد ، بل ستضر ،
 أهو الشباب دول ما كانوش عارفين حاجة عن الفرق دى ،
 خلاهم حضرته هيطلعوا من عنده يغرقوا في الكتب القديمة ،
 ويسيبوا دراسة مقاصد الشريعة، أو النظر والتدبر في كتاب الله ،
 ويقعدوا يتجادلوا في اللغو ده ..
 لوكان درس لهم كتاب العقيدة ، للشيخ شلتوت ،
أو عقيدة المسلم ، أو خلق المسلم ، للشيخ الغزالي ،
 أو حتى رجال حول الرسول ، لخالد محمد خالد ،
 كان قدم لهم أعظم خدمة ..
أنا خايف ياحمادة تنتظر من الدعاة ، يدرسوا للشباب روايات احسان عبد القدوس ، و كلام نزار قباني ..
بس الله يخليك متقولش دعاة ، بل أدعياء ..  والله معظمهم ما حصل حتى رعاة ،
طيب ، اسيبك يا حمادة ، ضاعت ليلة مذاكرة في المناكفة معاك ،
عليا النعمة انت هتشردنا ، ربنا يهديك ، سلام عليكم .

والنبي يرضي ربنا اللي بتعمله في أمك ده ، الدين بيقول تغطس وتسيب أمك لايصة ، وتسيب مذاكرتك كده ؟!
خلاص ياماما ، هعوض الوقت واذاكر دلوقتي ، وبكره الجمعة ما تحمليش هم ،
انا مش هاكلم ، ماعدتش فيا قلب اتكلم ، اعمل ما بدا لك يا حمادة
وبعدين الناس اللي هيتغدوا بكره دول ، هنغديهم طوب ،
ان شاء الله من بدري رايح السوق وهعمل لك كل اللي انتي عايزاه ،
 خلاص وحدي الله انتي ونامي ، تصبحي على خير ،
أخواتك فضلوا مستنيين حضرتك لما ناموا على نفسهم، يالا ربنا يسامحك ، 
وانت من أهل الخير ،

تعالي أيها الكيمياء اللعينة ، لو بايدي لمحيتك من الوجود ،
 أنا عارف ايه اللي خلاني اتنيل ادخل علمي ، وانا كل ميولي ادبية ،
 كيمياء وفيزياء وزفت ، لولاش فصول الأدبي سمعتها طين ، والله كنت دخلت أدبي ،
 أهو كنت أنام على ضهري واقرا شعر وتاريخ .. يالا قدر الله وما شاء فعل ..
 استعنا بالله على بلاء الكيمياء ..

ايه ياسيدي ، انا قلت حمادة هيخلع ، وأتسوح أنا وآخد زمبة في الغدا ،
وانا أقدر يامولانا ، دا احنا بنستنى اليوم اللي تشرف وتبارك بيتنا فيه ،
هيه ، طمني عليك ،عامل ايه ، واخبار الست الوالدة واخواتك ،
الحمد لله
بتروح المحل برضك ،
يعني ، خفيف كده ، الحمد لله
بس شكلك مش حمادة ريحانة الحي والمسجد ، اللي أنا أعرفه ،
أبدا ، كنت في مشوار امبارح حرق دمي ،
لاحول ولاقوة الا بالله ، الله يحرق دم اللي يحرق دمك ، ايه العبارة ..
جماعة سنية ، من اللي بدقون دول سدوا نفسي ،
 وسودوا الدنيا في عيني ، على الصورة اللى هيتسببوا في تكوينها في أذهان الناس عن الدين ،
بس بس ، حياة ابوك ياشيخ ، خد من قلبي وصر منهم ، برررييه منهم  برررييه ،
بالك لو فضل الأزهر والأوقاف سايبنها كده ، ابقى تعال قابلني ، 
هتبقى صورة الدين قاتمة ،
وهتتطلع أجيال جاهلة وغبية ، وامخاخهم زي الصرم القديمة ،
والعالم كله هيتفرج على جرستنا ،
 واهو اديك شايف ، كل شوية رزية من شكل ، ايشي تكفير وهجرة ، وجهاد ،
 والسماوي ، والخزعبلاوي ، وامير الجماعة ..
 يا خيبة أملك يا زغبي يابن شلباية ،
 وأهي غطت ووطت والأخوان ، حبايبك اللي انت واقع في غرامهم ، وبتدور عليهم ،
 طالعين شدين حيلهم من المعتقل ، وخدوا العيال بتوع الجماعات الاسلامية تحت باطهم ،
بالمناحة اللي عملوها عن المعتقلات والتعذيب ، وكده شكلها حتحلو أوي يا شيخ حمادة ، وربك يستر ،
يا مؤمن دا انى مش عارف اكلم في الجامع ، معدتش حد بيسمعني ،
 الا عمك الحاج مليجي ، وشوية المكسحين اللي زيه ،
 والعيال الشبان بتوع اليومين دول بيعاملوني كأني خنفس ،
آه ماهو بتوع الدقون بيفهموهم ، ان أني علشان حالق دقني وأليط ، يعني كخه ،
 ليس لها من دون الله كاشفة ، أى والله ياحمادة يابني ،
سيبك من الغم ده على الريق على الصبح ، دا ني مش هفطر النهاردة ، استعدادا لبط ورقاق وملوخية أم حمادة ،
يا أرحم الراحمين ، بالك لو الكافر شم ريحة طبيخكم ، ادي دقني ان ما اسلم ،
 دا اني كل ما اكل عندكم ، اروح لمراتي اقولها ، لن تدخلي الجنة ، الا لما تطبخي زي ام حمادة !
يكاد حمادة يفطس من الضحك ، على خفة دم الشيخ زغبي ، التلقائية البريئة ،
امال .. تصدق ياحمادة ، انا مابصدق أشوفك ومابقاش عايز ابطل كلام معاك ،
 ربنا يعلم محبتك في قلبي ياابني ، ويجعل دعاي من نصيبك ،

المهم ، مش هتقولي ايه اخبار موضوع بابا ..
أبوك ؟! هو فيه أطيب وأجمل من الراجل ده ؟! أى والله ،
بقولها وهأتسأل عنها يوم الدين ،
واني اللي عرفت أبوك من أيام ماكنا بنشلح ونجري ورا عربية الرش ،
 حسين كان من يومه عاطفي وقلبه طيب ، ومالوش خرباش ، عينه وعافيته انه يلعب مع اصحابه ، وبس ،
 وكان لبق ولسن ، ونزيه ويحب الوجاهة ، وله روح فنان ، مايبطلش دندنة ،
 وأصابع فنان ، هو فيه خراط وبراد زيه ، الا المعلم جميل ، الله يرحمه ،
امال ايه سبب الي هو فيه ، يامولانا؟
جدك !
جدي ، ازاي ؟! مش ممكن جدي يكون سبب في أذية حد ، وخصوصا بابا ،
 دا حتى كان بيحبه ، ويصعب عليه ، وياما عيط علشانه قدامي كذا مرة !
.. وأنا أقول فيه سر بين بابا وجدي ، قلبي كان حاسس ان خزنة بابا ، في صدر جدي ،
دماغك ماتروحش لبعيد ياحمادة ، دي كانت ظروف زمن ، وثقافة سائدة ،
 مولانا فى عرضك ، أنا عايز أروح السوق ، وماما قايمة من النجمة
علشان الناس اللي جاية ،
ناس ، ناس مين اللي ناويين يزاحموني ،
هما هيزاحموك بعقل ، كفاية عمي منعم ، سبارتاكوس العزومات ،
 ماما قاعدة بتعمل له طريحة المحشي اللي تكفيه من امبارح ،
ياميلة بختك يا زغبي ياابن شلباية ، بقى يارب يوم ما تفرج بغداء، كالفتح المبين ، عند أم حمادة ،
 ألاقي الصاعقة بحالها محتلة المكان ،
 ومين كمان اللي جاي يا وش السعد ان شاء الله ، قول قول ماهي باظت ، عليه العوض ،
مفيش ، نينة وعمو ماهر ،
الحمد لله ، نينة ملهاش سنان ، وماهر ، عيان وغلبان ، كبيره شوية شوربه ،
ربنا يشفيه ، ويهد منعم المفتري ،
ماتخافش يامولانا ، عمو منعم  مزاجه المحشي ، وخصوصا ورق العنب ،
لكن انت ملك الظفر ،
أمال ، دا أنا ليا أمجاد ياحمادة يابني ، في النهش و التفسيخ ، هيييه ،
نرجع لمرجوعنا ، ومش هطول علشان تشوف مصلحتك ،
انت ياحبيبي، ماشفتش جدك المعلم جميل ده ، في أيام جبروته ، يا لطيف ،
كان يعدي بس من حارة مطحنة ، ماهو البيت القديم كان هناك ،
 بطوله الفارع ، وعينيه الصارمتين ، ووجهه العابس ،
أيام العز والورش العمرانة ، والشغل اللي على أصوله ،
أول أربع بطون جابتهم ستك أم حسين ، ورا بعض ، في أربع سنين ،
كانوا صبيان ، كلهم ماتوا ،
 لما جدك عرف سكة الكيف بسبب البلوة دي ، كانت هيتجنن علشان يجي له عزوة للورش والشغل ،
  يقوم أول واحد يشرف ويكتب له النجاة ، المسكين أبوك ، ووراه السبعة الباقيين ،
طلع أبوك زي أي عيل ، عايز يجري ويدلع ويلعب ، لقى الورشة قدامه ، وكرباج المعلم جميل على ضهره ،
 أبوك كان عايز يطير ، وجدك مسلسله في الورشة ،
اذا حاول  يزوغ ، يتكتف ويتجلد بالكرباج ، لما يبان له اصحاب ،
 ومين يجرؤ يحوشه من المعلم ،

بس أنا مش ممكن أصدق ، ان جدي يعمل كده ، دا كان أحن قلب في الدنيا ،
ياحبيبي ، دي ملهاش دعوة بالحنية ولا بالقسوة ،
قلت لك دي ثقافة سائدة ، في التعامل مع الأبناء ،
 ومازالت الى يومنا هذا ، وهتفضل في طبع المصريين ليوم الدين ، ،
على أساس ان الشدة ، بتربي العيل وتطلعه راجل ،
 وان البنت لما يتكسرلها ضلع ، يطلع لها أربعة وعشرين ،
ومش معنى ان الأب يضرب ابنه ، يعني بيكرهه ،
لا دا علشان خايف عليه ، وعايز مصلحته ،
علشان كده ، ثقافة الأب ، يابخت من بكاني وبكي عليا ، ولاضحكني وضحك الناس عليا ،
أما الأم ، فثقافتها ، أدعي على ابني ، واكره اللي يقول آمين ،
وبعدين ..
جدك ربنا هداه لما شارك في بناء الجامع ، وبعدها جوز أبوك ، وانت نورت ،
لكن الأوان كان فات ..
كان أبوك حرن ، وخد الموضوع على نفسيته ،
 وطول أمد القسوة والضرب ، علشان يتعلم يشيل المسئولية ،
كرهوه في جدك وفي الورشة ، وفي الشغل ، وفي أي شكل من أشكال المسئولية ،
وخصوصا ان الست والدتك ، قوية ، ومش عاطفية زيه ..
 فطبعا كانت عايزاه يكبر في السوق ويجيب لها بيت ، ويعيشكوا عيشة مرفهة ،
 ما كدبش أبوك خبر ، وساب لهم الجمل بما حمل ..
 قفل الورشة ، وراح اتوظف في الشركة الهندسية ،
 وأهو كل شهر ، يخصم مصروفه ، ويرمي للوالدة بقية المهية ،
وعزة جلال الله ، قلبي انفطر ، لما رحت له في بيت عماد مطحنة ، ماهو قاعد معاه ،
 حالته تصعب على الكافر ، أهوعماد مطحنة الفقري ده ، هو اللي جاب أبوك ورا ،
ماهو الموكوس دا راخر ، قفل محله اللي كان بيشغي زباين ،
علشان قعدة القهوة والطاولة ،
المهم ، أنا الحمد لله ، روقت أبوك آخر روقان ، وهاتشوف النهاردة ،
الفاتحة ان ربنا يهديه ، ويوسع عليه ،

ينصرف حمادة مسرعا ، ليحضر طلبات أمه ..
 يعود الي البيت ، فيجده وكأن فيه عرسا ، حتى صرير باب الشقة ، كأنه زغاريد ،
 أمه تعمل بألف يد ، تساعدها طنط عايدة ، وقد بدا وجهها كقرص الشمس ،
 من صهد الفرن ، وسخونة الأبخرة المتصاعدة ،
سهام ونادية ، و سلوى ، لفرش البياضات النظيفة المكوية ، والسجاجيد ، وتنسيق المفارش ،
 وتلميع المرايات والبراويز وكل شيئ ، حتى بدا البيت كعروس جلوها ، فردت في وجهها الدموية !
قضيت الصلاة ، لينطلق حمادة ، نحو أبيه ، ومعه أخيه حسن ، فيصافحه الأب بخجل ،
 ويجثوعلى ركبتيه ليحتضن حسن بقوة وتأثر ،
يسحبه حسن من يده .. ياللا بيناعلى البيت ، ماما عامللك أكل حلو ،
وبيتنا مليان ضيوف ،
 يتلفت الأب ، كعادته ، فين الشيخ زغبي ؟! شكله خرج من الجامع ،
 يشير اليهم الشيخ ، من الخارج محملا بأكياس الفاكهة ، يالا  يا حسين يا اخويا ،
أني بتغدى بدري ،
 فيضحك الجميع ،
هاهو البيت الذى كم طال عليه أمد الكآبة والرقاد ، يتنفس وينهض أخيرا ،
 لتفرح السلالم بدبيب الأحبة ، وترتاح الكراسي لدفء الجالسين ،
وتلين السجاجيد لخطو العائدين ،
حتى طقم الصيني وأدوات السفرة ، انتعشت ولمعت ، بالعودة الي العمل ،
بعد طول مكث بدولاب الفضية ،
 يسبق حمادة ..
 طريق ياجماعة ، الشيخ طالع مع بابا ،
 ليدلف الأب من الباب مطرقا ، يهرب من مواجهة أم حمادة ، متشاغلا باحتضان وتقبيل سهام ونادية ،
 متخذا من نحنحات وبسملات الشيخ زغبي ، وسعال الأعمام ، وبكاء الجدة ،
ساترا ليدلف الى غرفة الطعام مباشرة ،
يتالق الشيخ زغبي ، منتشيا لحلاوة الطعام ، فيضفي على البيت بهجة وعلى القلوب سماحة ،
 ويعزف بصوته العذب وضحكاته المجلجلة ، موسيقى الحب والوئام ، فتغمر الفرحة الجميع ،
حتى الصواني التى نشطت ذهابا وايابا ، تحمل الفاكهة ، والشاي والقهوة ..
 ليعود الدبيب و الضجيج الى السلالم  .. شرفتو وآنستو ، خطوة عزيزة ..  أم حمادة ، وقد تهلل وجهها بالبشر ،
 يعز مقدارك .. تسلم ايدك ياست الكل ، دايما عامر .. ضيوفها ، وقد اختلطت أصواتهم ،
 ليودع الأب الجميع على بوابة العمارة ،
 يقابله حمادة وسهام ونادية وحسن ،
رايحين على فين يا حمادة ، هو أنا لحقت أتلم عليكم ؟!
رايحين نسهر عند عمي أحمد ، هنشوف مدرسة المشاغبين
طب خد بالك من أخواتك ، و أوعو تتأخروا ، مع السلامة ..

2 comments:

  1. يالا ...روعة الحلقه العاشره ...مفاجأه....كلها أحداث سعيده ..لقد نقلتنا بيسر وبساطه وبنعومة ساحره..الى ان نتعاطف مع والد حماده...نتيجة مامر به من ظروف تنشئته القاسيه من جانب "المعلم جميل النادى "... حسب الثقافه المجتمعيه السائده فى ذلك الوقت ..حقا تعاطفنا معه ...فى نفس الوقت غيرت فكرتنا عن الجد "المعلم جميل النادى" الذى ظلم ابنه دون قصد منه ..وبالتالى عانى من العذاب نتيجة ماوصل اليه ابنه من حالة كرهه للورشه والمسئوليه والمعلم جميل .... المفاجئه التاليه
    خفة دم الشيخ "زغبى " التلقائيه البريئه ...أمتعنا بتعليقاته الرائعه ...
    ................




    وفى هذه الحلقه سعدنا بعودة ..حسين الأب الى بيته

    وكم وضحت شخصية "حماده "القويه المثقفه المبشره بمولد داعيه اسلامى يفهم معنى الدين بفهم سليم وبنور من الله .. ....ويتضح ذلك من رفضه لهؤلاء الذين يتصدون لدعوة الناس للعوده الى منهج الدين الإسلامى بشكل ينفر من الدين ...
    الحلقه ..رائعه ......ننتظر المزيد ...تحياتنا واجمل الامنيات بالتوفيق ...............................ابداع

    ReplyDelete
  2. كلما قرات هذه القصة باحداثها البسيطة اشعر كأنى بداخل هذا العالم اتلكم مع حماده واصادقه واحن عليه واتفاعل معه ....وكأنى اعرفه من زمن ..كنت اتمنى ان تعود علاقة الاب ببيته قوية ليعوض ابنائه ما فقدوه من قسوة غيابه ....قضيت وقتا ممتعا فى قراءة هذه الحلقة واتمنى ان امسك الكتاب لالتهمه مرة واحدة وليس على حلقات ....فهى قصة ممتعة بكل المقاييس ......................................عبير هبه

    ReplyDelete