شتوي
المزاج أنا ، أنتظر الشتاء بلهفة .. أذوب فى ونس ضمة البيوت ،
ودفء اللمة فى هدأة الليل
، وأعشق لسعات البرد المنعشة فى البكور ،
ورخات المطر الشقية فى الظهيرة ،
ولوحات غيوم العصاري الرمادية
الموشاة بذهبي لامع من بقايا الشمس ، وبرتقالي دافئ من ثوبها الذى تلبسه للغروب !
الموشاة بذهبي لامع من بقايا الشمس ، وبرتقالي دافئ من ثوبها الذى تلبسه للغروب !
لا
أجد تفسيرا لهذا الولع بفصل الشتاء ، ربما لأنني ولدت فى عز حر بؤونة ،
حيث الصهد
الخانق ، والرطوبة اللزجة ، والذباب الرذل ..
أو
لأن ليوم الخميس وليلة الجمعة فى الشتاء
شأن آخر ، فيكفى أننى أستمتع فيها بمعشوقتي منذ الطفولة ، المخروطة ..
هذا
الشيء اللذيذ الذى يقهر البرد ، ويسعد القلب ، ويقوى البدن ،
ويجعل للنوم فى حضن دفئه ، طعم آخر !
ويجعل للنوم فى حضن دفئه ، طعم آخر !
ترى لماذا ترتبط
المخروطة فى ذهني بالمرأة ؟! المرأة المصرية بالتحديد !
تلك المرأة البيضاء
الممتلئة ، التى لاتعرف من الدنيا ، ولايشغلها فيها ،
إلا أن تشبع الرضيع ، وتدفء الضجيع !
إلا أن تشبع الرضيع ، وتدفء الضجيع !
إذاً
، فيوم الخميس وليلة الجمعة .. والمخروطة ،
هم سبب عشقي وولعي وهيامي بالشتاء ..
هم سبب عشقي وولعي وهيامي بالشتاء ..
كأنه
عيد أسبوعي .. لعب وتدليل ، وإستحمام ودفء وشبع
من الطعام الشهي والحلوى ، للصغار ..
من الطعام الشهي والحلوى ، للصغار ..
وزواق وروقان ، وحب وسهر ، وإستحمام أيضا ، للكبار !
كنا
إذا أسفر صبح الخميس ، مع قرآن السادسة ، وخرج أبي يسعى فى طلب الرزق ، وخرجت ،
أنا وأخواتى ، نسعى فى طلب العلم ، تلاحقنى تنبيهات أمي ،
المختلطة بأغاني الراديو الصباحية الخفيفة :
المختلطة بأغاني الراديو الصباحية الخفيفة :
أوعى
تتلكع وتتأخر ، ترجع بسرعة ، دوغري ، علشان نلحق
نعمل المخروطة قبل الضهر ..
نعمل المخروطة قبل الضهر ..
أحفظ
جيدا برنامج أمي المقدس فى نهار الخميس ، فكم من مرات غبت عن المدرسة ، ورصدت
تفاصيله ، وأسراره الحربية !
فما
أن يخلو البيت من الجميع حتى تتوافد النسوة ..
أم
جلجل للغسيل ، وإبنتها سماسم للتنفيض والتنظيف ،
وأم رأفت الخبازة ومراة إبنها مديحة ،
وأم رأفت الخبازة ومراة إبنها مديحة ،
تصعدان إلى السطح مباشرة ، لتلقما الفرن الخامد بحزم الحطب وأقراص الجلة ،
حتى يشتعل ويصهلل ، فينتشر دخان الخبيز ، ويرتفع خبط ورزع ، مطارح التبطيط ..
حتى يشتعل ويصهلل ، فينتشر دخان الخبيز ، ويرتفع خبط ورزع ، مطارح التبطيط ..
أما
طنط زينب ، جارتنا فى الشقة الملاصقة ، فمن نافلة الصبح
أن تأتى لمنادمة أمى على فنجان القهوة ،
أن تأتى لمنادمة أمى على فنجان القهوة ،
تتخذان من كنبة المدخل الأسطنبولي البيضاء ، مثلهن ، متكئا ..
بأروابهن
الشتوية ، يعلوهن الراديو على ربات البيوت وعيلة مرزوق أفندي ،
تتحلقان حول صينية
كبيرة من النحاس الأصفر ، كل شيئ عليها يلمع ،
كالذهب الذى يشخشخ فى ذراعي أمي ونديمتها ،
كالذهب الذى يشخشخ فى ذراعي أمي ونديمتها ،
ويتدلى من آذانهن ، ويبرق على صدورهن ..
تزين
الصينية ، التى توليها أمي عناية خاصة ، فهى أداة ضبط مزاجها ،
وزينة مجلس قهوتها النسائي ،
وزينة مجلس قهوتها النسائي ،
فى الصباح وفى المساء .. سبرتاية نحاسية ، تتناثر حولها كنكات مختلفة
الأحجام ، ، براد صغير أزرق ، فناجين وأكواب صغيرة مذهبة الحواف ،
طاقم أحمر عتيق غريب من علب الصفيح محكمة الغلق ،
طاقم أحمر عتيق غريب من علب الصفيح محكمة الغلق ،
ورثته أمي عن أمها ، موزعة بين شاى وبن وسكر ،
قرفة وينسون ، نعناع و كراوية وحلبة ..
قرفة وينسون ، نعناع و كراوية وحلبة ..
ما
أن تنتهيا من رشف قهوتهن ، وتناتيش حكيهن ، حتى تنسحب الجارة
لتفسح المجال لمجيئ .. نعناعة !
لتفسح المجال لمجيئ .. نعناعة !
تلك
المرأة السمراء ، الطويلة الهيفاء ، السهتانة ، شبه الخرساء ،
فلم أسمعها تنطق أبدا ،
فلم أسمعها تنطق أبدا ،
تخبئ تحت إبطها حلة صغيرة لفتها فى طرحتها السوداء ، وتدخل مسرعة إلى غرفة
أمي ،
لتمر قرابة ساعة يعم فيها الصمت ..
بينما
تنشغل أم جلجل فى الغسيل ، وتكابد إبنتها فى التنفيض والتظيف ..
تنسل نعناعة من غرفة أمى ،
تنسل نعناعة من غرفة أمى ،
تجفف عرقها بطرحتها ، لتدلف إلى شقة طنط زينب !
أعود
من المدرسة مسرعا ، لأجد غسيلنا يضوي على مناشر البلكونة ،
وأجد كل شيئ فى بيتنا يبرق ،
وأجد كل شيئ فى بيتنا يبرق ،
الستائر وكسوة الصالون والسجاجيد وفرش السراير ، ودولاب الفضية ، وأمى ،
التى بدت مزنهرة محمرة ، لامعة البشرة مصقولة الوجه ،
يبدو حاجبيها كسيفين حادين !
التى بدت مزنهرة محمرة ، لامعة البشرة مصقولة الوجه ،
يبدو حاجبيها كسيفين حادين !
تجدنى
مسمرا أمامها ، مبحلقا فى وجهها ، فتشخط فى مرتبكة : ياللا شهل ،
اعمل لك همة على ما أخلص اللى فى إيدي ..
اعمل لك همة على ما أخلص اللى فى إيدي ..
تغادر أم جلجل وابنتها ، بإبتسامة إمتنان للأجرة السخية
، تحملان غدائهما ..
وتفرغ أمي من تجهيز غدائنا من طواجن البطاطس باللحم
الضاني ،
تفوح منها رائحة جوزة الطيب ، والرز المعمر بالحمام ،
المرصع بكرات القشطة والسمن البلدي ، لأصعد بها إلى أم رافت ،
لتسويها على نار الحطب ..
تفوح منها رائحة جوزة الطيب ، والرز المعمر بالحمام ،
المرصع بكرات القشطة والسمن البلدي ، لأصعد بها إلى أم رافت ،
لتسويها على نار الحطب ..
ماما بتقولك ، ترجع تلاقى كل حاجة جاهزة ..
قولها حاضر ، من العين دى قبل دى ..
ياللا
بينا نلحق وقتنا ، شيل ..
قبل
نزولنا ، تطرق على باب طنط زينب ، التى لم تزل محتبسة مع نعناعة :
أنا
نازلة يا زينب ، إطلعي انتى لأم رأفت ، على ما اعمل المخروطة وآجي ،
هاعمل لك
معايا تلاتة كيلو .. تابعى البنات ، وخليهم يستحموا ، و اظبطى لهم ضفايرهم ..
ترد
من وراء الباب : حاضر ياحبيبتي ، بالسلامة انتي ..
تسبقنى مسرعة ..
لمعان بياضها وذهبها كأنهما نجوم فى ليل فستانها الأسود ،
كشعرها الملفوف .. قصيرة
، مخروطة ، تترجرج ، كفرسة ولود تدق الأرض ..
أهرول
فى إثرها حاملا مون المخروطة ، من دقيق وسمن ، و .. و ..
فى
إنعطافنا من شارع جامع سيدي العباس ، إلى زقاق الزلباني ،
لنطلع منه على مطلع
بعيزق الحجري ، حيث ماكينة المخروطة ..
تتنامى
إلى سمعى عبارات من قبيل : هز يا وز ، يا أرض احفظي ما عليكي ، صلاة النبي على دى
بطة ، بلطية يا اخواتى ..
تمرق
أمي فى طريقها كالعسكري ، غير عابئة بتلك العبارات ، فأقنع نفسي أنها ليست
المقصودة بها !
فى
البيت القديم الكئيب ، ذو الحوش الفسيح ، الغاص بنساء متباينات الحال ،
من حيث المال والجمال والأعمار ،
من حيث المال والجمال والأعمار ،
يلبسن جميعا اللون الأسود ، ليثرثرن ويعجن وينشرن عجينا
أبيض !
نأخذ
دورنا أمام غرفة الحاجة وجيدة المعلمة ، لتتسلم منا المون ، نايبنا لوحده ، ونايب
طنط زينب لوحده .. تزنها وتقدر أجرتها ، ثم تعهد بها إلى الخالة واطفة العجانة ،
لتعجنها وتجهزها للكبس .. فتقذف بالعجين إلى أم صابر ،
لتعجنها وتجهزها للكبس .. فتقذف بالعجين إلى أم صابر ،
الطويلة العريضة كمارد ،
الجرمة المتعة كمصارع ، تمسك بذراعي المكبس الحديدي الضخم ، كإصبع عسلية بيدها ،
تلفه فيضغط على علبة حديدية ثقيلة ، تنزل فوق العجين الذى يملأ جسم الماكينة
الإسطواني العميق ،
فينساب من خروم صغيرة مستديرة فى قعر الماكينة .. خيوط ثخينة
كأحبال بيضاء مجدولة ،
كأحبال بيضاء مجدولة ،
تتمايل متبخترة على نسمات الهواء المنبعثة من ورقة كبيرة من الكرتون ،
تحركها صعودا وهبوطا ، بهدوء ورتابة ،
تحركها صعودا وهبوطا ، بهدوء ورتابة ،
إمرأة بيضاء ناعسة ، تجلس القرفصاء أسفل الماكينة ،
تغطى فى حجرها رضيع نائم ،
لتدلل أحبال العجين الراقصة بتهويتها كى لاتتشابك
وتتلاصق !
تتهادى
خيوط المخروطة الثخينة البيضاء من خروم الماكينة ، وتتمايل ،
حتى تقطعها إحدى اثنتين ، يتناوبن على جمعها ،
حتى تقطعها إحدى اثنتين ، يتناوبن على جمعها ،
قبل أن تسقط على الأرض ، فى شكل لفائف حلزونية ،
لنقلها بهدوء على الغربال ..
لتستلقي فى
دفء الشمس على حصير بإتساع الحوش ، غطي بملاءات نظيفة زاهية ،
يتناثر حولها النسوة
المستغرقات فى بث الهموم والأحزان ، ووشوشة الخفايا والأسرار ، ومضغ النميمة
وتبادل الأخبار .. يحرسن المخروطة من الذباب ، ومن عبث القطط والكلاب ، حتى تتماسك
وتتصلد !
غالبا
ما أكون الولد الوحيد المنحشر المتطفل ، وسط هذه الكتيبة من النسوة المتشحات
بالسواد ! ا
السواد الذى يخفى تحته ، أحيانا
، جمالا وأنوثة وفتنة ، تطل مع كل إنحناءة ،
فى أطراف قمصان نوم حريرية ، من الأحمر الملعلع الفاقع ،
والبمبة المسخسخ المائع !
فى أطراف قمصان نوم حريرية ، من الأحمر الملعلع الفاقع ،
والبمبة المسخسخ المائع !
لا
أدرى سببا لإصرار أمى على جرجرتي فى ذيلها أينما ذهبت ،
لتجعلنى مثار إستغراب النسوة وتحفظهن !
لتجعلنى مثار إستغراب النسوة وتحفظهن !
وأنا
أتأمل مراحل صنع المخروطة ، حين يضغط مكبس الماكينة على كتلة صماء من العجين ،
فتصبح خيوطا رشيقة تتمايل ..
لم أدر لماذا تذكرت إعتراض طنط زينب وتحفظها على
إختلاط إبنتها "منى" بنا ،
ولعبها معنا على سطح العمارة ، محتجة لأمي بأن البنت كبرت وخرطها خراط البنات !
ولعبها معنا على سطح العمارة ، محتجة لأمي بأن البنت كبرت وخرطها خراط البنات !
خراط
البنات ؟! يا إلهي ..
الآن فقط بدأ
أفهم ، كيف أن ماكينة مخروطة الأقدار تتلقف من
يحين دورها من البنات الطريات البريئات ،
يحين دورها من البنات الطريات البريئات ،
كعجينة لم تتشكل بعد ، فتضغطهن بمكبس البلوغ والمراهقة ،
لتخرطهن ، تنحتهن ، تشكلهن ، ترسمهن ..
لتخرطهن ، تنحتهن ، تشكلهن ، ترسمهن ..
بروز واستدارات ، ثنايا وإنحناءات .. ليتهادين فى
دنيانا ،
ينثرن الحب والخصب ، الأنس والفرح !
ينثرن الحب والخصب ، الأنس والفرح !
أذن
العصر ، لتغلق الحاجة وجيدة بابها ، وتضع ثوب كدها الأسود ،
وتبقى بثوب كسبها الأبيض ..
وتبقى بثوب كسبها الأبيض ..
وتلبس
الشمس ثياب أصيلها الأحمر ..
وتلم
أمى ، المتعجلة دائما ، أطراف ملاءتها البيضاء الزاهية ، تمتلئ بالمخروطة ..
ألمح
الحاجة وجيدة ، تحسب حسبتها ، وتعد أجرة فريقها من المكافحات الصامتات ، الغلابة
الصابرات ،
بينما ترقبهن من كوة تطل على الحوش ، يقمن بغسل الماكينة وتنظيف المكان
وتشطيبه ..
يسرعن
، كى يدركن بيوتا تركنها بعيالها ورجالها وهمومها طوال النهار ،
ليعدن ببواقى الدقيق والسمن والمخروطة ،
ليعدن ببواقى الدقيق والسمن والمخروطة ،
وبقروش قليلة من عملهن الشاق ، ونفحات تراحم ، من أيد
فرطة سخية ،
كيد أمى ، الناعمة الحنونة !
كيد أمى ، الناعمة الحنونة !
نهرول
بحمولنا عائدين ، نسلك نفس الدروب ، ونسمع نفس عبارات الغزل ،
غير عابئين ..
غير عابئين ..
تسرع
أمي لتدرك حمامها الساخن المخصوص ، قبيل عودة أبى ..
وأسرع
أنا بالمخروطة ، فأطلع بها لأم رأفت ، لتدركها بأواخر صهد الفرن ،
فتكسبها لونا ذهبيا فاتنا ، وتبخرها بعبق دخان الحطب ..
فتكسبها لونا ذهبيا فاتنا ، وتبخرها بعبق دخان الحطب ..
وأنزل
بالعيش المخبوز بأصنافه ، الناشف للخزين والتسقية ، والطري المرحرح للغموس وصواريخ
السندوتشات ،
والمزفر المدهون بالسمن البلدي ، لشق ريق الصبح مع الشاى بالحليب ..
تنزل
البنات بالطواجن ، والبطاطا المشوية .. وتنزل أم رأفت ومراة إبنها ، لتغادرا ،
قانعات راضيات ، محملات بالخيرات ، تجهران بالدعاء لأمي ، كشأن كل من يخدمنها :
ربنا يجبر بخاطرك ويسعدك ، يا كريمة يا بنت الأصول ..
أسابق
الزمن لأظفر بحمام ساخن أنا الاخر ، أنفرد فيه بنفسي ،
لأستمتع بالتأمل والسرحان ،
لأستمتع بالتأمل والسرحان ،
والتلذذ بأفكار وخيالات من وحى مشاهد اليوم ، وخراط البنات ، وحكاوي النسوة ،
وأسرارهن وطقوسهن المقدسة ..
لا
يقطع استرسالي ، ويعكر صفو تلذذي ، إلا مباغتة عودة أبي من عمله ..
يدخل أبى من
الباب ، مهيبا ، لاتكاد تسمع صوته ، ليجد البنات زاهيات
تتأرجح ضفائرهن الكستنائية اللامعة ، جيئة وذهابا فى مشاوير تقديم الغداء ..
تتأرجح ضفائرهن الكستنائية اللامعة ، جيئة وذهابا فى مشاوير تقديم الغداء ..
تشمر نهلة ذراعها النحيلة لتدسها فى برنية
الزيتون الأخضر المخلل والفليفلة ،
تملأ طبقين ، تزينهما بالليمون المعصفر ، وتعد سوسنة السلاطة وتنسق الجرجير ..
تملأ طبقين ، تزينهما بالليمون المعصفر ، وتعد سوسنة السلاطة وتنسق الجرجير ..
يستسلم أبي لعناية أمي ، تخلع بذلته ، وتعد
ملابسه وحمامه ، حتى يخرج إلينا متصدرا السفرة فى جلبابه الحريري الأبيض ، وشاربه
الكثيف الأسود ، وذقنه الحليق الأشقر ، ووجهه المصقول الأحمر .. لمروره على شاهين
الحلاق ، فى طريق عودته !
انعدمت
الرؤية فى ضباب الأبخرة المتصاعدة من الطواجن الشهية ،
ودارت الرؤوس من عبق دخان الحطب
ودارت الرؤوس من عبق دخان الحطب
و جوزة الطيب والسمن البلدي والقشطة السخية
انهمكت أمي ، التى زادت إحمرارا فى ثيابها
المريحة ، فى ملء طبق أبي أولا ، بالبطاطس واللحم ، والمعمر والحمام ،
والليمون
المعصفر والزيتون والفليفلة ، والسلاطة وأكوام الجرجير ..
قبل
أن تلتفت إلينا لتعطى كل واحد نايبه .. ليسيل الدسم من الأيدي ، والعرق من الوجوه
، ويبقى برد الشتاء طريدا بالخارج ،
فلا مكان له فى هذا اللهيب ..
ولم
تعد تسمع إلا همسا !
يهبط
المساء ومعه الضيوف ، لتكمل عطورهم الرجالية والنسائية
منظومة الروائح التى تملئ البيت ،
منظومة الروائح التى تملئ البيت ،
ومعها روائح القهوة والشاى والسجائر ، والقرفة واليانسون والنعناع ،
والتسالي والفواكه ..
والتسالي والفواكه ..
بدت
الصوانى والأطباق والأكواب فى دورانها على الضيوف ، كطيور ، تدخل إليهم بطانا ،
وتعود إلى المطبخ خماصا ..
جلبة
وصياح ، نكات وقفشات ، نميمة نساء وقهقهات رجال ..
كعوب
ترن على سلالم التوديع ، تنافسها طرقعات التبويس ..
أخيرا
ستأذن أمي لباب شقتنا أن يغلق ، ليذوق طعم الراحة ،
وللمخروطة التى طال إنتظارها لتؤدى نمرتها الذهبية على مسرح العشاء أن تطلع ..
وللمخروطة التى طال إنتظارها لتؤدى نمرتها الذهبية على مسرح العشاء أن تطلع ..
الآن
ينزاح الستار عن المخروطة الذهبية المعطرة بدخان الحطب ..
توضع
فى سلطانية من الصيني ، من جهاز أمي الوارد من غزة ،
لتستقبل بتلذذ وإنتعاش ،
لتستقبل بتلذذ وإنتعاش ،
إنسكاب الحليب الجاموسى الساخن ، الشاهق البياض ، المحلى بالسكر ..
تتصبب
عرقا وهى تسبح بين جزر القشطة والسمن البلدى
الطافية على سطح الحليب الدسم ..
الطافية على سطح الحليب الدسم ..
تبدو
رشات القرفة والمكسرات المطحونة ، على وجه طبق المخروطة
المغطى بالحليب الساخن والقشطة ، كنمش على وجه شقراء ..
المغطى بالحليب الساخن والقشطة ، كنمش على وجه شقراء ..
يرتفع
رنين الملاعق ، وخرخشة الشفط ..
يبدأ
دبيب الدفء فى الأوصال ، إحمرار العيون ، تفصد العرق ، و دوران الأدمغة ..
فيتثائب
الأبناء أمام فيلم السهرة ، وينامون ..
وينشط
الآباء ويسهرون .. يستمتعون و يبدعون !
رحم
الله أمي ..
فمن
بعدها أطفأت أنوار البيت ، وساد الصمت ، وانشغل الضيف ، وتغير الطعم ،
وعز الدفء ،
بغياب المخروطة .. وزاد الشح ، وانزوى
الغلابة ،
بعد أن غابت من كانت تطلب خدماتهم ، لتساعدهم وتجبر خاطرهم بكرامة ..
بعد أن غابت من كانت تطلب خدماتهم ، لتساعدهم وتجبر خاطرهم بكرامة ..
وانزويت
أنا ، وافتقدت .. المخروطة !
نشوة روحية سرت فى النفس .. لقد قرأت ماكتبت ..ببساطة ادخلت الفكرفى الماضى البعيد ..فوجدتنى أعيش التفاصيل ..أسمع ، أشم ، أرى ( ببساطة إستحوزت على الحواس ) ..
ReplyDelete..لغة سهلة بسيطة ..دقيقة وتفصيلية بسلاسة فنية أدبية راقية .. تمسك باللغة الدارجة التى نتحدث بها جميعاً وتحولها الى فيض أدبى ..
... ○○○○ رقيقاً فى تقديرك للمرأة ○○○○
ويتضح هذا فى حب الأم وتقدير دورها المُحرك لأمور البيت ،
والتى تُعشش على الأبناء ..ناثرة البهجة والدفء والسعادة والحنان ...
والذى بغيابها يتلاشى كل هذا الوجود .. تحياااتى
* رشاقة الأسلوب ، وخفة الظل ، ودقة اللفظ ، وكثافة العبارة ، القدرة على صياغة العبارات الإيقاعية..
ReplyDelete** تفهم الروح المصرية ووصفها وصفاً دقيقاً وصادقاً ..
*** القصة من الأدب الصادق الذى وإن سجل عبر وحلل ،وكتب بأسلوب واقعى ..
... مع وضوح الشغف بالدراسات والتحليلات النفسية..
فنجد هنا فى " المخروطة "
• محاولة الكشف عن ( خبايا النفس البشرية ) والتى لم يتم تناولها بشكل كافى من خلال الكتابات الأدبية المختلفة ..من خلال شخصية المراهق والذى تتنبة حواسة مع وصولة للمرحلة التى تلى الطفولة والتى تسبق مرحلة الشباب والرجولة .. ليشير الى أهمية هذة المرحلة ( المراهقة ) والتى تعتبر من أخطر المراحل التى يمر بها الإنسان ضمن أطوارة المختلفة التى تتسم بالتجدد المستمر، والترقى فى معارج الصعود نحو الكمال الإنسانى الرشيد ،
ومكمن الخطر فى هذة المرحلة التى تنتقل بالإنسان من الطفولة الى الرشد ،
وهى التغيرات فى مظاهر النمو المختلفة ( الجسمية والفسيولوجية والعقلية والإجتماعية والإنفعالية والدينية والخلقية ) ولما يتعرض الإنسان فيها الى صراعات متعددة داخلية وخارجية من خلال عادات وتقاليد مصرية ليوم فى حياة " أسرة مصرية " ،،
** ** ** **
حقاً ... ... متعة أدبية هى ( ( المخروطة ) )
yossef ezzelden